أحمد راتب النفاخ
أحمد راتب النفاخ (1345- 1412هـ / 1927- 1992م) عالم لغوي سوري، من أعلم أهل زمانه بـ علوم العربية وآدابها والقراءات والتفسير، أوتي بصيرة نافذة في قراءة الشعر القديم. من أبناء دمشق في حي الصالحية. وهو علامة الشام وريحانتها، ومن أعضاء مجمع اللغة العربية بدمشق، والمجمع العلمي الهندي.[1] اسمه وأسرتههو أبو عبد الله، أحمد راتب بن فارس بن مُرسي[ا] بن عبد القادر النفَّاخ، علامة الشام[ب]، انتهت إليه رياسة علوم العربية وعلوم القرآن في عصره. ولد بدمشق عام 1346هـ/ 1927م، لأسرة ترجع في أصولها إلى قرية بصر الحرير من حَوْران جنوبيَّ سورية، هاجرت إلى بَعْلَبَكَّ في لبنان ثم وفدت منها على دمشق في أواخر القرن الثاني عشر الهجري. والدُه فارس النفاخ (1899- 1957م) من وجهاء حي الصالحية، وجدُّه مُرسي النفاخ (1872- 1944م) شيخ البَياطرة بدمشق، وينتهي نسبهم إلى الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.[3] دراسته وتحصيلهبدأ بتلقِّي العلم في كُتَّاب قربَ مسجد الشيخ محيي الدين بن عربي في منطقة الصالحية (حي الشيخ محيي الدين)، وهو في نحو الخامسة من عمره، وتابع تعليمَه في مدرسة (الصاحبة) الأثرية الابتدائية التي أنشأتها ربيعة خاتون الأخت الصغرى للسلطان صلاح الدين الأيوبي سنة 628هـ، ومنها حصل على الشهادة الابتدائية. ثم حصل على شهادة الدراسة الثانوية من مدرسة التجهيز الأولى (جودة الهاشمي)، ومن أبرز معلميه فيها شاعر الشام العالم اللغوي محمد البِزِم الذي أُعجب بطالبه النابه كثيرًا، وشجَّعه على تحصيل علوم العربية وآدابها. ثم انتسب إلى كلية الآداب في الجامعة السورية (جامعة دمشق الـيوم) أول افتتاحها، وتخرَّج في قسم اللغة العربية فيها عام 1950م، وكان مجلِّيًا في دراسته وفاقَ أقرانه وحظِيَ بتقدير أساتذته. ومن زملاء دفعته البحاثة الأديب صالح الأشتر، والأديب المترجم محمد فريد جحا. ونال شهادة أهلية التعليم الثانوي من المعهد العالي للمعلمين (دبلوم تأهيل تربوي) عام 1951م، ومن زملاء دفعته فيها الأستاذ الفيزيائي أحمد ذو الغنى. عُيِِّن مدرِّسًا للعربية في المدارس الثانوية بحَوْران وهو في الثالثة والعشرين من عمره، فقضى فيها سنتين. وفي عام 1953م عُيِّن مُعيدًا في كلية الآداب بجامعة دمشق، ثم أُوفِد عام 1955م إلى جامعة القاهرة لإكمال دراساته العليا، فحاز منها شهادة الماجستير بمرتبة الشرف عام 1958م عن رسالته في دراسة حياة الشاعر ابن الدمينة وشعره وعصره وتحقيق ديوانه، بإشراف الدكتور شوقي ضيف. وأنجز بحثًا لرسالة الدكتوراه في القراءات القرآنية مع تحقيق كتاب معاني القراءات لأبي منصور الأزهري، بإشراف شوقي ضيف أيضًا، ولكنه استنكف وامتنع عن مناقشتها، فلم يحصل على الدكتوراه.[4] وعاد إلى دمشق عام 1962م. شيوخه وتلاميذهشيوخه:تتلمذ على شيوخ كبار من جِلَّة أهل العربية، منهم: شاعر الشام العالم اللغوي محمد البزم، والشيخ عبد العزيز الميمني الراجكوتي وله منه إجازتان خطيتان في علم الحديث (كتب له الأولى بدمشق في 17 المحرم 1380هـ، والأُخرى في ميناء كراتشي منصرَفَه من دمشق في منتصف صفر الخير 1380هـ/ 1960م)،[ج][6] والشيخ محمود محمد شاكر. أساتذته في كلية الآداب:شاعر الشام شفيق جبري (عميد الكلية)، وأمجد الطرابلسي، وسعيد الأفغاني، وإبراهيم الكِيلاني، وعادل العوَّا، وعز الدين التنوخي، ومحمد بهجة البَيطار درَّسهم مادتي علوم القرآن وعلوم الحديث، وحكمة هاشم، وجميل صليبا. تلاميذه:أخذ عنه كثيرون في جامعة دمشق من عام 1962 إلى 1979م، ثم في بيته الذي صار ندوةً علمية دائمة يؤمُّها طلاب العلم من كل حدَب. وصار رأسَ مدرسةٍ أصيلة في البحث اللغوي وتحقيق التراث الأدبي،[7] هي امتداد لمدرسة شيخيه عبد العزيز الميمني ومحمود شاكر.[8] من أشهر طلابه وتلاميذه الذين نبَغُوا ونبُهُوا ومضَوا على سَننه في البحث والتحقيق: الدكتور محمد أحمد الدالي، والدكتور عز الدين البدوي النجار، والدكتور عبد الإله نبهان، والدكتور مسعود بوبو، والشيخ محمد نعيم العرقسوسي، والأستاذ إبراهيم الزيبق، والدكتور محمد حسان الطيان، والدكتور يحيى مير علم، والأستاذ بسام الجابي، والدكتور نبيل أبو عمشة، والأستاذ محسن خرابة البدراني، والدكتور مصطفى الحِدْري، والأستاذ حسن السماحي سويدان، والدكتور عبد الكريم حسين، والدكتور إبراهيم عبد الله، والشيخ عبد القادر الخطيب الحسني.[9] في مجمع الخالدينانتُخب الأستاذ أحمد راتب النفاخ عضوًا عاملًا في مجمع اللغة العربية بدمشق،[د] بتاريخ 2 سبتمبر (أيلول) 1976م خلفًا لشيخه العلامة محمد بهجة البَيطار، وصدر مرسوم تعيينه بتاريخ 30 ديسمبر (كانون الأول) 1976م، وأقيمت حفلة استقباله في المجمع بتاريخ 19 مايو (أيار) 1977م، ألقى فيها الأستاذان: رئيس المجمع الدكتور حسني سَبَح، والأستاذ عبد الهادي هاشم، كلمتين ترحيبيتين به، وألقى الأستاذ النفاخ كلمة شكر وتعريف بسَلَفه العلامة الشيخ البَيطار. وكانت للأستاذ النفاخ مشاركةٌ بارزة في أعمال المجمع، وبذل جهدًا كبيرًا في لجانه، ولا سيَّما في أعمال (لجنة اللغة العربية والأصول) و(لجنة المجلة ومطبوعات المجمع) و(لجنة مخطوطات دار الكتب الظاهرية) و(لجنة المخطوطات وإحياء التراث). وسُمِّي في عام 1979م رئيس المقرِّرين بالمجمع. نشر الأستاذ النفاخ في مجلة المجمع 16 مقالًا فيما بين عام 1957 و1985م، اتجه في معظمها إلى نقد تحقيق طائفة من كتب التراث؛ كرسالة الغفران للمعري بتحقيق عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ، والمحتسَب لابن جنّي بتحقيق علي النجدي ناصف وعبد الفتاح إسماعيل شلبي، وإعراب القرآن المنسوب للزجَّاج بتحقيق إبراهيم الأبياري.[4] صفاته
كتبهمما نُشر من كتبه:[17]
ومما لم يُنشر من تحقيقاته:[19]
ومما راجعه من منشورات المجمع:
شعرهتفتَّقت موهبة النفاخ الشعرية منذ صِباه، وقرضَ الشعر ولا يزال يافعًا في المدرسة الثانوية، ومن ذلك أنه كان يقرأ من الكتاب المقرَّر في المدرسة قصيدةَ الشاعر مِهيار الدَّيلَمِي المشهورة التي يفخَرُ فيها بآبائه من الفُرس ومطلعها: أُعْجِبَتْ بي بينَ نادي قومِها ذاتُ حُسْنٍ فغَدَتْ تسأَلُ بِي فحَمِيَ الفتى راتبٌ لقومه العرب وللغته العربية، وأخذ يردُّ على مِهيار بأبياتٍ على وزن قصيدته يخاطبه فيها قائلًا:[20] لا تقُل: لي في المَعالي نَسَبُ ليسَ في المَجْدِ كآبائي أبُ
لُغَتي الضَّادُ وقومي عَرَبُ عَزَّتِ الضَّادُ وعَزَّ العَرَبُ وله قصائدُ كثيرة في الزهد والتأمُّل، ولكنه لم يعبأ بنشر شعره، ولم يروِه إلا في مجالسه الخاصَّة، منه شعرٌ بليغ عالي الطبقة، أنشد قصيدةً منه لخواصِّ أصحابه وخُلَّانه، فيها دلالةٌ على فصاحته، وجزالة عبارته، وأصالة انتمائه، قالها في الجَحَّاف بن حُكَيم السُّلَمي الفاتك المشهور، متحدِّثًا عن فتكته ببني تغلب في موقعة البِشْر (منازل تَغْلِب)، في حروب قيس وتغلب، التي قال عقبها الأخطل بيته المشهور:[21] لقد أوقَعَ الجَحَّافُ بالبِشْرِ وَقعةً إلى اللهِ منها المُشْتَكَى والمُعَوَّلُ قال النفاخ:[22] جَحَّافُ يا ابنَ الأكرَميـ ـنَ منَ الغَطارِفةِ الأماجِدْ لا زالَ ذِكْرُكَ عاليًا يَنْثُو المَكارِمَ والمَحامِدْ
لمَّا تطَاولَ دَوْبَلٌ واخْتالَ تِيهًا شِبهَ مارِدْ
أرسَلتَها في مَسْمَعِ الـ ـأيَّامِ صَيْحاتٍ رَواعِدْ
وشَدَخْتَ أنفَ الشِّركِ مُصْـ ـطَلِمًا لكلِّ عَمٍ مُعانِدْ
أكرِمْ بها مِن فَتكَةٍ تمَّتْ بها فتَكاتُ خالِدْ وفاته وتأبينهتوفي أحمد راتب النفاخ في دمشق، فجر يوم الجمعة 11 شعبان 1412هـ الموافق 14 فبراير (شُباط) 1992م.[23] ودُفن في مقبرة الروضة على سفح جبل قاسيون مجاورًا إمام النحو ابن مالك (ت 672هـ). وفي مساء يوم الأربعاء 6 شوال 1412 هـ الموافق 8 أبريل (نيسان) 1992 أقيمَ له في قاعة المحاضرات بمكتبة الأسد الوطنية بدمشق حفلُ تأبين، أُلقِيَت فيه الكلماتُ الآتية:
وفي 28 من فبراير (شُباط) 1996م، انتخب مجمع اللغة العربية بدمشق تلميذَه الدكتور مسعود بوبو عضوًا عاملًا، خلَفًا له، وصدر مرسومُ تعيينه في 13 مارس (آذار) 1997م، وأقيمت حفلةُ استقباله في المجمع في 29 من أبريل (نَيْسان) 1997م، وألقى فيها كلمةً تحدَّث فيها عن أستاذه وسَلَفه العلامة النفاخ. الملاحظات
المراجع
المصادر
وصلات خارجية
|