مملكة قيدار
ظهرت زبيبة ملكة قيدار والعرب، لأول مرة في النقوش الآشورية حوالي سنة 735م، ومنذ ذلك الحين ظهرت مملكة قيدار، وظلت تذكر في العديد من الوثائق التي تصف العلاقات والصراعات بينها والإمبراطوريات الحاكمة في الشرق الأدنى القديم، ولا يوجد تعريف واضح لحدود المملكة، ويتم تحديد أراضيها من خلال مناطق نشاطها وتواجدها، وطرق التجارة (عبر العطور وطرق التجارة الأخرى) التي تمر عبرها. وفي أوج قوة مملكة قيدار، في عهد الإمبراطورية الأخمينية، امتدت من جنوب بابل شرقاً إلى دلتا النيل غرباً، ومن شمال شبه الجزيرة العربية جنوباً إلى شمال الصحراء العربية السورية. هناك إجماع اليوم على أن هيكلية حكم قادر كانت لا مركزية بشكل رئيسي في شكل شبه فدرالي أو نوع من الكونفدرالية. وكانت المملكة ترأسها في بعض الأحيان ملكة حاكمة مسؤولة عن الشؤون الدينية والإدارة المدنية، وملك مسؤول عن النشاط العسكري. كان هؤلاء في بعض الأحيان زوجين أو أشقاء. وبعد حوالي 500 عاماً من ظهورها في الوثائق، حوالي القرن الثاني قبل الميلاد، تضاءلت قوة قيدار، وأصبحت المناطق المهمة التي كانت تحت نفوذها في الغرب تحت سيطرة الأنباط، الذين استولوا حتى على عاصمة قيدار دومة الجندل في القرن الأول قبل الميلاد.[2] لعب قيداريون دورًا مهمًا في تاريخ بلاد الشام وشمال شبه الجزيرة العربية، حيث تمتعوا بعلاقات وثيقة مع الدولتين الكنعانية والآرامية المجاورة، وأصبحوا مشاركين مهمين في تجارة التوابل والعطريات المستوردة إلى الهلال الخصيب وعالم البحر الأبيض المتوسط . من الجنوب العربي . بعد أن انخرطوا في علاقات ودية وعدائية مع قوى بلاد ما بين النهرين مثل الإمبراطوريتين الآشورية الجديدة والبابلية الجديدة ، أصبح قيدار في نهاية المطاف مندمجًا في هيكل الإمبراطورية الأخمينية الفارسية. يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأنباط، ومن المحتمل أن يكون قد تم استيعابهم في النهاية من قبلهم. يظهر قيدار أيضًا في الكتب المقدسة للديانات الإبراهيمية، حيث يظهرون في الكتاب المقدس العبري والمسيحي باعتبارهم أحفاد قيدار، الابن الثاني لإسماعيل، وهو نفسه ابن إبراهيم. ضمن التراث العربي، يدعي محمد بن السائب الكلبي أن النبي محمد ينحدر من قيدار بن إسماعيل، بينما خالفه محمد بن إسحاق وزعم أن النبي محمد ينحدر من نابت بن إسماعيل،[3][4]ورجح البخاري قول ابن إسحاق.[5] النطاق الجغرافيتعد مملكة قيدار أكبر وأهم مملكة عربية تاريخية في الألفية الأولى قبل الميلاد، كان القيداريون على رأس «كونفدرالية قبلية عربية» أو «تحالف قبائل عربية معظم أفرادها من البدو.» [6] وفقا لفيليب كينغ عاش القيداريون في الصحراء العربية الشمالية الغربية، وكانوا «ذوي قوة مؤثرة في الفترة مابين القرنين الثامن والرابع قبل الميلاد.» جيفري بروميلي: عالم التاريخ والمترجم، يكتب اسمهم «كدار» ويذكر أنهم عاشوا في منطقة جنوب شرق دمشق وشرق الأردن.[7] في القرن الثامن قبل الميلاد تشير النقوش الآشورية إلى تواجد القيداريين في المنطقة إلى الشرق من الحدود الغربية لبابل.[8] كما تشير إلى تواجد القيداريين في مناطق شرق الأردن وجنوب سوريا في القرن السابع قبل الميلاد، وبحلول القرن الخامس قبل الميلاد، انتشروا في نواحي سيناء حتى دلتا النيل.[9] شملت السيطرة القيدارية على شمال غرب الجزيرة العربية تحالفات بين ملوك قيدار وملوك ديدان.[10] كتب المؤرخ إسرائيل إبهال أن «اتساع توزع القيداريين يشير إلى اتحاد القبائل من مختلف الانقسامات الفرعية.» عاش سكان مملكة قيدار في المنطقة الصحراوية الواقعة -شمال وشمال غرب الجزيرة- ولعبت الواحات المدنية؛ مثل: (دومة - تيماء) دورا مهمًّا كمواقع للاستيطان والتجارة وأماكن للري.[10][11] كانت دومة أهم تلك المدن ومقرًّا للعبادة، عُرفت «دومة» بهذا الاسم نسبةً إلى (دومة بن إسماعيل)، فيما بعد عُرفت باسم «دومة الجندل»، والجندل هي الحجارة التي تنتشر في تلك المنطقة، تقع دومة الجندل اليوم في منطقة «الجوف»، كسبت دومة الجندل تلك المكانة الكبيرة عند القيداريين لأهمية موقعها الاستراتيجي التجاري،[12][13] الذي كان بمثابة تقاطع مركزي لعدد من المحاور والطرق التجارية:
خلال الفترة (حوالي 550-330 قبل الميلاد)، سيطر القيداريون على المناطق الصحراوية المتاخمة لمصر وفلسطين، وتحكموا بالطرق التجارية المؤدية إلى غزة. أشار هيرودوت (حوالي 484-425 قبل الميلاد) عن وجود القيداريين في شمال سيناء بالقرب من الحدود المصرية؛ حيث يُعتقد أنهم قد اشتبكوا مع الأخمينيين: السلطات الإمبراطورية الفارسية؛ للحفاظ على حدودهم آمنةً، وكذلك سيطر القيداريون على مدينة غزة. نفوذ المملكةامتد نفوذ مملكة قيدار من عاصمتها دومة الجندل إلى الحدود الغربية لبابل وجنوبًا في ديدان بحوالي 21 كيلومتر نحو الجنوب في الحجاز[14]، كما غزت مناطق جنوب سوريا وشرق الأردن، وامتدت سلطتها إلى المناطق المسكونة من جبل بشري وحدود دمشق، وعثر في مدينة بيت أتوم (تل المسخوطة) على آنية فضية نقش عليها اسم قينو بن جشم ملك قيدار، مما يدل على امتداد نفوذ المملكة إلى شرقي مصر في القرن الخامس قبل الميلاد، وهو ما يدعم ما ذكره المؤرخ هيرودوت من أن قبائل قيدار عاشت في المنطقة الممتدة من شمال الجزيرة العربية حتى شرق دلتا النيل في مصر. (قيدار) في علم أصول الكلماتيرى الباحثون أن اسم قيدار نسبةٌ لقيدار الابن الثاني لإسماعيل.[15][16] تعود أقدم إشارة تاريخية للقيداريين إلى النقوش الآشورية في (القرن الثامن قبل الميلاد)، كما ذكروا في النقوش الآرامية في (القرن السادس قبل الميلاد)، لم يُعثرعلى نقش باللغة العربية يذكر قيدار في تلك الحقب؛ حيث إنه في تلك الحقب الزمنية لم تكن الأبجدية العربية قد تطورت بعد. تمت الإشارة للقيداريين في النقوش الآشورية والآرامية كمجموعة عرقية اسمها في الترجمة الآرامية هو QDRYN\قدارين. جذر كلمة «قيدار» هو جذر ثلاثي: ق-د-ر «قدر» بمعنى: {«القياس، الحساب، التقدير» و«القدرة أو المقدرة»}.[17] يرى إرنست أكسل كناوف عالم الكتاب المقدس الذي أجرى دراسة تاريخية عن كلمة «الإسماعيليين/Ishmaelites» أنها كانت معروفة في النقوش الآشورية باسم «شموئيل/Šumu'il»، ويعتقد إرنست أكسل أن تسمية «القيداريين» بهذا الاسم عائدة إلى اشتقاق كلمة «قيدار» من الفعل «qadara/قدرة»؛ {أي ذو المقدرة أو المُتنفذ}[6]؛ وذلك لبروز القيداريين من بين قبائل الإسماعيليين «شموئيل»، بينما يرى علماء آخرون أن هذا الرأي غير محسوم حتى الآن.[6] المصادر التاريخيةنجد في المصادر التاريخية أن الحضارات والأمم المجاورة للجزيرة العربية، تصف القيداريين وغيرهم من أبناء إسماعيل القاطنين في شمال الجزيرة وتخومها بلفظة «عرب»، في أزمنة متأخرة لاحقة. تم تعميم لفظة «عرب» على كافة سكان الجزيرة العربية على اختلاف أعراقهم وألسنتهم؛ فبعدما انتشر العرب بنو إسماعيل في كافة أرجاء الجزيرة سُميت بجزيرة العرب نسبةً إليهم. في النقوش الآشورية: تمهيد: كانت الإمبراطورية الآشورية هي القوة العظمى المهيمنة في العالم القديم منذ الألفية الثانية حتى منتصف الألفية الأولى قبل الميلاد، وكان يأتيهم فروض الولاء والجزية أو كما يسميها البعض «الهدايا» من ملوك وحكام معظم أنحاء الشرق الأوسط القديم، وصلت الإمبراطورية ذروة قوتها في عهد تغلاث فلاسر الثالث؛ بعد أن تمكنت من الانتصار على القوى الكبرى في العالم القديم: بابل وأورارتو وعيلام ومصر وأرمينيا، مهيمنةً بذلك على الشرق الأدنى، آسيا الصغرى، القوقاز، شمال أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط الشرقي. وفي ذروتها حكمت الإمبراطورية الآشورية ما يعرف في ديانة بلاد ما بين النهرين القديمة باسم «أركان العالم الأربعة:» من أقصى شمال جبال القوقاز داخل أراضي ما يسمى اليوم أرمينيا وأذربيجان، حتى الشرق مثل جبال زاغروس داخل أراضي إيران الحالية، إلى أقصى الجنوب المتمثل بالصحراء العربية في المملكة العربية السعودية الحالية، وإلى أقصى الغرب من جزيرة قبرص في البحر الأبيض المتوسط، وحتى إلى الغرب في مصر وشرق ليبيا.[18] اصطدمت مملكة قيدار عسكريًّا عبر تاريخها بالإمبراطورية الآشورية الكبرى، وتشكل قيدار أكبر مملكة عربية في جزيرة العرب في الألفية الأولى قبل الميلاد، إضافةً إلى أنها المملكة العربية الوحيدة التي لها تاريخ أركيلوجي خارجي يظهر تفاعلها عسكريًّا حلفًا وعداءً مع الأمم المجاورة والقوى الكبرى في العالم القديم، كما كان لموقعها الجغرافي الاستراتيجي دورًا هامًّا في حركة التجارة في العالم القديم، وربما الأهم في الشرق الأدنى القديم.
في فترة السلالة الأخمينية في بلاد فارس: مع نشوء الإمبراطورية الأخمينية على إثر غزوهم لبابل في عام 539 قبل الميلاد، ظهرت أدلة على النشاط العربي في الشرق الأدنى القديم، بما في ذلك إشارة صريحة لمملكة قيدار. من السجلات الفارسية وشهادة هيرودوت حول تلك الفترة، أصبح العرب أقوى في الفترة الفارسية، لدرجة أنهم لم يدفعوا ضرائب ثابتة لعاصمة الإمبراطورية الفارسية، ولكن عوضًا عن ذلك يتم دفع جزء من أرباحهم الكبيرة التي يتحصلون عليها من السيطرة على التجارة في طريق التوابل ومحور الخليج العربي إلى الغرب؛ لم يكن جميع اتحاد قيدار يدفع تلك. ومن بين هذه الروايات رواية هيرودوت عن المساعدة التي قدمها عرب لقمبيز الثاني في رحلته عبر صحاري النقب وشبه جزيرة سيناء إلى مصر عام 525 قبل الميلاد، على غرار تلك المساعدة التي تلقاها أسرحدون في رحلة مماثلة.[32] يمكن العثور أيضًا على أدلة على التغيرات في وضع قيدار خلال الفترة الفارسية، بعد سقوط الإمبراطورية البابلية، في نبوءة إشعياء حول تغير في أوضاع ددان وتيما وقيدار:[33]
يرى البعض هذه الإشارة كدليل على عودة قوافل دادن عبر المناطق الحمراء التي استولَوا عليها في الفترة البابلية، (كما هو مقتبس أيضًا في كتاب حزقيال - انظر أعلاه) جنوبًا نحو تيما، بسبب خوفهم من هجوم من قبل مملكة قيدار من الشمال. وفقًا لهذا التفسير، بعد انسحاب نابونيداه من شمال الجزيرة العربية وما تلاه من سقوط للإمبراطورية البابلية، استعادت مملكة قيدار مكانتها وتوسعت لتشمل الأراضي التي احتلتها في الشمال عبر الأردن والجنوب، ومن هناك أيضًا غربًا إلى سيناء وشرق مصر. تم العثور على وعاء من الفضة في موقع تل المسخوطة - وادي طميلات- شرق دلتا النيل في مصر السفلى، مكتوبًا باللغة الآرامية - «قينو بار ابن جشم ملك قيدار»: قينو بن جشم ملك قيدار، كانت هذه الزبدية واحدة من أربعة أطباق عُثر عليها في الموقع، والتي يرجع تاريخها إلى النصف الثاني من القرن الخامس قبل الميلاد -منتصف الفترة الفارسية- الأخمينية. تشير التقديرات إلى أن هذا دليل على وجود قاعدة لحامية قيدارية في شرق مصر تشير إلى «جشم» ملك قيدار، والمعروفة من الكتاب المقدس باسم جشم العربي. بناءً على هذه المعطيات، يقدر العلماء أن مناطق نفوذ وسيطرة مملكة قيدار خلال الفترة الأخمينية امتدت من جنوب بلاد ما بين النهرين في الشرق إلى شرق مصر في الغرب، بما في ذلك صحراء النقب وسيناء. سمح هذا الانتشار للمملكة العربية بالسيطرة على المصدر الغربي لتجارة البهارات والتوابل من جنوب الجزيرة العربية ومنتجات أخرى من جنوب بلاد ما بين النهرين إلى مصر وبقية العالم في الغرب.[34] هناك المزيد من الأدلة على وجود مملكة قيدار وعلاقاتها مع الممالك القريبة، تم اكتشاف أربع وثائق في منطقة مملكة معين في جنوب شبه الجزيرة العربية، ذكرت ثلاث نساء من مملكة قيدار تم ترشيحهن للزواج في معيان. على الرغم من عدم تأريخ هذه الوثائق، فمن المعروف أن معين نفسها كانت موجودة بين القرنين السادس والثاني قبل الميلاد (أي في الفترتين الفارسية والهيلينستية). في النقوش الآرامية والسامية الجنوبية:
في الكتابات اللاحقةفي العصور الكلاسيكية القديمة: قام هيرودوت بتوثيق أن القيداريين كانوا مدعُوِّين لمساعدة قمبيز الثاني حاكم الإمبراطورية الفارسية في غزوه لمصر في 525 قبل الميلاد.[9][35] كان من المعروف أن القيداريين والأنباط يتمتعون بعلاقات وثيقة فيما بينهم، حتى إنهم ينخرطون مع بعضهم كحلفاء في زمن الحرب ضد الآشوريين.[38] من الممكن أن القيداريين تم دمجهم في نهاية المطاف في الدولة النبطية التي ظهرت كأقوى وجود إسماعيلي في شمال غرب الجزيرة العربية.[38] في تاريخ كامبريدج القديم، يقال إن بعض الأنباط (العرب) الذين ذكرهم ديودوروس في روايته للأحداث التي وقعت في 312 قبل الميلاد هم قيداريون.[39] بليني الأكبر (23-79 م)، الذي يشير إليهم بـ «كيدري/Cedrei» و «كيداريين/Cedareni» «Cedarenes/كيداري» في سياق ذكر القبائل العربية الأخرى، ووضع نطاق قيدار في المنطقة المتاخمة لقبائل الأنباط.[6] جيروم (357-420 م)، أشار لقيدار على بلفظ «كيدار»، إشارة إلى منطقة.[40] في موضع آخر من كتابه، يصفها بأنها «منطقة من الساراسين، يطلق عليها الإسماعيليون في الكتاب المقدس»، في آخر؛ يكتب أنها كانت «منطقة غير صالحة للسكن في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية»، وفي الثلث؛ يكتب أنها «منطقة مهجورة من الإسماعيليين، الذين يسمونها الآن ساراسينس».[40] يشير الكتاب المقدس إلى قيدار كالابن الثاني لإسماعيل.[41] تشمل مراجع العهد القديم سفر التكوين، إشعياء، إرميا، حزقيال، وسجلات مرتين، يُشار إلى (قيدار) كأحد أبناء إسماعيل في معظم كتب التكوين والسجلات، في حين أن الإشارات المتبقية هي إلى ذريته (القيداريين).
يُشير النبي حزقيال: إلى أن «العرب وجميع أمراء قيدار» شاركوا في تجارة الأغنام/الماعز مع الفينيقيين.[48] تُشير بعض كتب الأسفار: بأن قطعان القيداريين مكونة من الحملان والكباش والماعز والجمال.[49] يصف نبي إسرائيل إرميا[معلومة 1] القيداريين: بأنهم «أمة مرتاحة ، تسكن بأمان» (49:31)، يروي إرميا أيضا عن حملة نبوخذ نصر (630-562 قبل الميلاد) ضد القيداريين خلال الفترة البابلية، يُعتقد أن قائد القيداريين آنذاك هو نفسه «جشم العربي» الذي جاء ذكره في سفر نحميا.[50] تسلسل أولاد إسماعيل من الأكبر حتى الأصغر سنًا حسب سفر التكوين الأصحاح-25 (اللفظ بالعبرية):[51]
في المصادر العربية المتأخرة: قال الإخباريون أن القبائل؛ مثل: قريش وتميم وأسد ومزينة هم من ذرية قيدار.[52][53]
هناك إشارات موجزة عن قيدار في كتابات المسافرين الغربيين إلى بلاد الشام في القرن 19؛ على سبيل المثال: يصف ألبرت أوغسطس إيزاكس المشهد المهيب لمعسكر بدوي على سهل، «انتشرت الخيام السوداء في كيدار على نطاق واسع».[54] أيضًا تصف رواية سابقة كتبها تشارلز بويلو إليوت يصف فيها العرب: بأنهم يقعون في مجموعتين رئيسيتين: فلاحين وبدو، ويصف الأخير مع إسماعيل والقيداريين على النحو التالي: «لا يزال البدو يحتفظون بالعادات المتجولة لأبيهم إسماعيل؛ "يدهم ضد كل رجل، ويد كل رجل ضدهم" ؛ الصحراء البرية هي وطنهم؛ الأرض منصة نقلهم ومظلتهم السماء؛ إذا كان المكان الأكثر اختيارا من الإقامة هو خيمة صغيرة "سوداء مثل خيام كيدار" سلفهم».[55] الاقتصادعلى الرغم من عدم وجود نصوص أو مكتشفات أثرية من مملكة قيدار نفسها توفر معلومات عن طريقة حياة شعب قيدار، نستطيع تصور ذلك من خلال تحليل العروض والضرائب التي دفعها ملوك قيدار للإمبراطورية الآشورية، يمكن لنا أن نعلم عن خصائص الممتلكات التي يمتلكونها، ونتيجة لذلك مساعيهم الاقتصادية. إن النقوش الآشورية الأولى التي تذكر زبيبة ملكة العرب في منتصف القرن الثامن قبل الميلاد، تسرد قرابين من عدد من الملوك، وتبرز في غيابها عن قائمة القرابين في التوابل والبهارات التي تعكس التجارة على المحور الجنوبي الشمالي لشبه جزيرة الشام. وعلى هذا الأساس يُقدَّر أنه خلال هذه الفترة كانت قيدار تعمل في شمال شبه الجزيرة العربية، وكان اقتصادها قائمًا على السيطرة على جزء من التجارة على المحور الغربي الجنوبي الشرقي من جنوب بلاد ما بين النهرين إلى مصر وجنوب بلاد الشام، بالإضافة إلى الانخراط في الاقتصاد التقليدي للقبائل البدوية. في مرحلة لاحقة، من عهد الملكة شمسي، تم ذكر البهارات والتوابل بالفعل في قرابين القيداريين للإمبراطورية الآشورية. بناءً على ذلك، يقدر الباحثون أنه خلال هذه الفترة، سيطرت قيدار أيضًا على جزء من طريق التجارة الجنوبي الشمالي - من جنوب شبه الجزيرة العربية إلى منطقة الشام ومن هناك إلى مصر. يُعرف هذا الطريق التجاري باسم طريق العطور، وكانت هذه البضائع هي السائدة فيه. هذا لا يعني السيطرة الكاملة على المحور، ولكن على الأقل على الجزء الشمالي - شمال غرب شبه الجزيرة العربية والنقب وسيناء. علاوة على ذلك، كان الاقتصاد القبلي لاتحاد قيدار قائمًا أيضًا على المنتجات التقليدية للبدو - تربية الأغنام والإبل ومنتَجاتها، يتضح هذا الوصف في سفر حزقيال؛ حيث يصف النبي العلاقات المثمرة التي سيقيمها شعب إسرائيل، وفي القيام بذلك يسرد شعوب المنطقة والمجالات الاقتصادية الأساسية لكل شعب منهم. وعن قيدار يوصفون: «اَلْعَرَبُ وَكُلُّ رُؤَسَاءِ قِيدَارَ هُمْ تُجَّارُ يَدِكِ بِالْخِرْفَانِ وَالْكِبَاشِ وَالأَعْتِدَةِ. فِي هذِهِ كَانُوا تُجَّارَكِ»؛ أي إن انشغالهم الرئيسي كان بتجارة الأغنام. تُشير المُعطيات إلى أن اقتصاد قيدار قد تميز بمزيج من مزرعة بدوية نموذجية (الأغنام والإبل) مع التجارة والسيطرة على طرق التجارة في منطقة سيطرتها. منحتهم المهن البدوية التقليدية ميزة نسبية على القبائل الأخرى، لكن حظوتهم الكبرى كانت في السيطرة على طرق التجارة، التي جلبت لهم ثروات كبيرة، تلك الثروات والأهمية التجارية لمملكة قيدار قد جعلتها مطمعًا لجيرانها ومحلَّ صراع مع الإمبراطوريات الكبرى في الشرق الأوسط القديم. حرص الآشوريون والبابليون والفرس على عدم تدمير القبائل أو تدمير المملكة حتى لا تخسر أرباحها العالية من التجارة التي تخصصت فيها. فيما يبدو أن هذا أيضًا هو السبب الذي جعل القيداريين يكتسبون خلال الإمبراطورية الأخمينية مكانة خاصة في علاقاتهم مع الفرس، ولم يُطلب منهم دفع الضرائب العادية التي تدفعها بقية الممالك للإمبراطورية، ولكنهم فرضوا عليهم أشبه مايكون بالضريبة الجمركية لكي يتكسبوا جزءًا من أرباحهم، وبالتالي تمتع القيداريون بحرية تجارية واسعة.
الثقافة والمجتمعتشير النقوش الأثرية إلى أن القبائل العربية القيدارية كانت أكثر بروزا في الاتصال بالعالم خارج شبه الجزيرة العربية.[56] كما تشير الأوصاف الكتابية إلى وجود نوعين رئيسيين من المواطنين القيداريين: (البدو:wabariya) المتنقلين؛ أهل الوبر الذين يعيشون في الخيام و(الحضر:hhaḍariya) المستقرين الذين يعيشون في المدن والقرى والواحات.[57] كما لعب الرعاة وتجار الماشية؛ مثل: الحملان الذكور والكباش والماعز، دورا رئيسيا في ازدهار تجارة البخور في غزة، والسيطرة على حركة المرور التجارية في المناطق الصحراوية بين مصر وفلسطين.[11] ونتيجة لأنشطتهم التجارية، كانت هناك عشائر من بين القيداريين أصبحوا أثرياء.[31] من الأمور المؤكدة أثريًّا تقدم الجانب المعماريّ والتخطيطيّ للمدن؛ مثل: القصور الملكية والمنازل والبيوت والمعابد والأسوار، وتتميز تيماء على سبيل المثال بوجود معالم وشواهد تاريخية؛ مثل: «السور الخارجي» الذي يعد من أطول الأسوار التاريخية في الجزيرة العربية وأكثرها تحصينا؛ إذ يبلغ طوله أكثر من 18 كيلو مترا، وارتفاعه في بعض الأجزاء المتبقية منه حاليا أكثر من 10 أمتار، وعرض جداره ما بين المتر والمترين، وإحدى بواباته تمثِّل التطور المعماريّ والتخطيطيّ للمدينة. ونشير هنا إلى أن التملك؛ سواء أكان قصرًا أم بيتًا أم معبدًا، لم يكن حِكْرًا للملك وحكومته أو للمعبد وكهنته؛ بل كانت ملكية عامة لأفراد المجتمع كافة، كما يدل على ذلك أحد النقوش. ولا خلاف على أن الشواهد الأثرية المادية، بما فيها النقوش، تدل على أن المنهج الفكريّ الذي تبناه المجتمع التيماويّ كان أساسًا في جعلها مدينة مسالمة مستقطبة للشعوب المعاصرة بشكل واضح؛ مثل أوجاريت في الألفية الثانية قبل الميلاد. على الرغم من أن مملكة قيدار ومعظم ممالك الشرق الآوسط القديم كانت قابعة تحت السلطة الآشورية، كان القيداريون والممالك المجاورة للآشوريين غالبا ما يتشاركون في القتال ضد تلك الإمبراطورية، ويتضح ذلك جليًّا في تاريخ مملكة قيدار خاصةً؛ فلا يكاد يأتي حاكم إلا ويكون أول أعماله قتال الآشوريين، وذلك على خلاف كثيرٍ من الممالك في الشرق الأوسط القديم، التي آثرت السلامة والخضوع على المقاومة والصمود. أثبت صعود الإمبراطورية الفارسية إلى الهيمنة أنه مفيد للقيداريين؛[31] سمح ذلك للقيداريين المسيطرين على طرق التجارة بالتوسع في استخدام تلك الطرق تِجاريًّا، مانتج عنه على حد وصف هيرودوت «علاقة ودية».
اللغةالقيداريون هم من بين عدد من القبائل العربية الشمالية التي أدى تفاعلها مع قبائل الآراميين بداية من القرن الثامن قبل الميلاد إلى تبادلات ثقافية بين هاتين المجموعتين الساميتين الكُبرَيَيْن.[58] تحدثت المجموعات القبلية العربية المبكرة؛ مثل القيداريين وغيرهم، اللغة العربية الشمالية القديمة [1]، ولكن بما أن الأبجدية العربية لم يتم تطويرها بعد أنذاك؛ فقد استخدموا في الكتابة والتدوين أبجديات مجاورة كالآرامية كخط رسمي، واستخدم بعض العامة البسطاء خطوطًا أخرى استخدامًا بدائيًّا.[58] يستخدم «لسان قيدار» في المصادر الحاخامية كاسم للغة العربية.[59] كانت ممارسة تسمية الأولاد على اسم أجدادهم شائعة بين القيدار.[60] اللغة المستخدمة من قبل قبائل قيدار هي من عائلة «اللغات السامية المركزية»، والتي نشأت منها اللغة العربية. تتمثل اللغة العربية الشمالية في دراسة في النقوش الصخرية المكتوبة ما بين القرن الثامن قبل الميلاد وصولًا إلى القرن الرابع الميلادي الذي اضمحلت فيه حتى اختفت تمامًا دون أن تترك أثرا. تم العثور على حوالي 40.000 نقش؛ 98٪ منها عبارة عن نقوش صخرية (جرافيتي). تنتمي لغة القيداريين إلى مجموعة اللهجات العربية الشمالية، كل مجموعة منها سميت على اسم الواحة الرئيسية في منطقتهم: اليمنية (سميت على اسم الواحة العظيمة في تيما)، دادانيت (سميت على اسم الواحة الكبرى في ددان) ودومة (سميت على اسم واحة مماثلة / حمراء) عاصمة مملكة قيدار، وهي المجموعة الأقدم من بين اللهجات العربية الشمالية، ويقدر أن النقوش المرتبطة بهذه اللهجات تعود إلى الألفية الأولى قبل الميلاد، وبسبب انخراط جميع شعوب العربية الشمالية في التجارة الإقليمية، تم العثور على بعض النقوش ذات لهجات من خارج المنطقة.
تم العثور على ثلاثة نقوش غير مؤرخة بالقرب من مدينة سكاكا في محافظة الجوف، وهي المنطقة التي توجد بها واحة مماثلة، ولكن يُقدر أنها نشأت في منتصف الألفية الأولى قبل الميلاد. كُتبت معظم النقوش الموجودة في اللهجات الثلاث للواحات العربية الشمالية من اليمين إلى اليسار. في دومة لم تكن هناك مسافات بين الكلمات، ولكن كانت هناك علامات فاصلة. على الرغم من عدم وجود نقوش قيدارية كافية لتتبع الأبجدية بأكملها، فمن المقدر أن اللغات العربية الشمالية تضمنت 28 صوتًا وحروفًا ساكنة. يقدر العلماء أن الحروف الساكنة في D و D و D و H و K و L و M و N و T و T و W و Y و Z تتصرف كما هو مألوف في اللغة العربية الفصحى. ليس من الواضح توجيه الحرف الساكن P - سواء تصرف كما هو عليه اليوم أو أكثر؛ حيث لم يتم التأكيد على P (F) مثل اللغات السامية الأخرى، فإن الأساس الصرفي يتكون من جذر ثلاثي. عادة ما يتم إعطاء الكلمات الأنثوية اللاحقة "T". منذ الفترة البابلية لنبوخذ نصر حتى الفترة الفارسية، يرى العلماء أن لغة التدوين والكتابة الرسمية للقيداريين هي اللغة الآرامية، كما يتضح من الإناء الذي عثر عليه في تل المسخوطة. ومع ذلك ، ليس من الواضح ما إذا كانت هذه هي لغة الكلام أيضًا ، ويذهب كثير من العلماء أنها لغة تدوين فقط لا تحدث. ويرى معظم العلماء والباحثين أن العرب قاموا بتطوير لغة التدوين (الآرامية) إلى النبطية ثم إلى العربية الفصحى ثم أخيرًا إلى العربية الحديثة. نظام الحكملا توجد معلومات كافية لرسم صورة واضحة مفصلة عن طبيعة وهيكلة الحكومة، ولكن يمكن الاستنتاج من نقوش بلاد ما بين النهرين حول عدد من الخصائص الرئيسية لمملكة قيدار: في جميع إشارات قادة الكيان القيداري في وثائق بلاد ما بين النهرين، تم ذكر عدد من الألقاب الملموسة (ملكة العرب - ملك العرب - القيداريون)؛ أي على الأقل في نظر الآشوريين في الفترة الآشورية الجديدة، إنها مملكة يحكمها ملك أو ملكة هذا الكيان السياسي. كذلك في النقش الموجود على الإناء في تل المسخوطة في الجزء الشرقي من دلتا النيل في مصر في القرن الخامس قبل الميلاد، ورد ذكر جشم العربي باسم «ملك قيدار»؛ أي حتى في الوصف الذاتي للقيداريين، فإن نظام الحكم في قيدار ملكي. ومع ذلك؛ ليس من الواضح ما هي درجة التماسك الداخلي والاندماج للقبائل في كيان قيدار السياسي، وما إذا كانت هناك مملكة في شكل متعارف عليه في بقية الممالك في المنطقة؛ أي إطار فيدرالي مرن للقبائل، وإطار عمل كونفدرالي في المقام الأول في المجال الاقتصادي.[61] بشكل عام؛ هناك إجماع في الدراسة على أن الممالك في شبه الجزيرة العربية خلال تلك الفترة كانت تتم في إطار اتحادي وليس كمملكة هرمية عادية؛ (على سبيل المثال: مملكة ماجان في جنوب شرق شبه الجزيرة العربية). يمكن العثور على تعبير عن هذا الهيكل الفيدرالي في وصف حزقيال للقيداريين[62]، يمكن تفسير هذا الوصف على أنه تعبير عن وجود العديد من القادة في إطار قيدار؛ مثل زعماء القبائل. قد يكون مثل هذا الإطار هو المفتاح لفهم إمكانية وجود العديد من «ملوك القيداريين» في وقت واحد في السجل الآشوري. خلال معظم فترة وجود المملكة، أشارت الوثائق الآشورية إلى «ملكة العرب» كملكة حاكمة فعالة، تمثل المملكة بأكملها ضد الإمبراطورية الآشورية. كما يتضح من البيانات التي قدمتها وثائق من فترة أسرحدون في حملته الحربية في شبه الجزيرة العربية -ليس في مناطق قيدار-. لا تشير تلك البيانات إلى البنية الاجتماعية للقبائل في المملكة، أو أي تقسيم اجتماعي لمجتمع قيدار. تظل تقديرات هذه الجوانب مقتصرة على البحوث الأنثروبولوجية العامة حول المجتمعات البدوية. بالإضافة إلى ذلك؛ هناك إشارات واضحة في السجلات الآشورية إلى أسلوب الحكم المزدوج - الملكة والملك هما أخوان أحيانًا وأحيانًا أزواج. من قضية نفي تلهونة «ملكة العرب»، إلى نينوى على يد سنحاريب ملك آشور، جنبًا إلى جنب مع تماثيل آلهة العرب، تبرز احتمالية أن الملكة كانت هي أيضًا الكاهنة الكبرى أو السلطة الدينية العليا في المملكة. أيضًا عندما تم ذكر ملكة العرب، كان ذلك أيضًا في سياق القرابين التي قُدمت لملوك آشور. ومن المحتمل أنهم كانوا مسؤولين بشكل أساسي عن الشؤون المدنية والاقتصادية للمملكة.[63] من الطريقة التي يوصف بها هزال/حزائيل الشريك في حكومة تلهونة، بالشخصية التي قادت الجيش العربي في ثورة ضد الآشوريين، كما تبرز احتمالية أن يكون الرجل في الحكومة المزدوجة مسؤولًا بشكل أساسي عن الشؤون العسكرية والحربية. ومع ذلك، لا توجد معلومات عن هيكلة الجيش وكيف يعمل خارج استخدام الإبل كوسيلة مركزية للتنقل والنقل وقدرته العالية على المناورة في التضاريس الصحراوية.
الاختلاف الآثارييعتمد الباحثون بدراساتهم على مصادر توراتيّة لإثبات وجود المملكة بذلك الاسم، لكن لم يسند تلك البناءات النظرية إلا لفظ واحد بنقش بعهد الملك الآشوري تغلث فلاسر الثالث؛ حيث يذكر قبيلة من قبائل العرب أو ما شابه، يقرأ الباحثون كتابتها في النص (قدرو) (Qidru)[64]، بينما يشكك آخرون بتلك القراءة التي يصفونها بأنها متأثرة بالنص التوراتي ويقترحون أنها منطقة وليست شعبًا.[65] في الحقيقة تتحدث بقية النقوش الآشورية عن ملكات العرب من مثل (زبيبة) أو (شمس) ولا يذكر اسم مملكة قيدار مطلقًا. في الحقيقة؛ يخلط الباحثون بين اسمَي عرب وقيدار، ويضعونهما كليهما تحت اسم قيدار؛ لأنه يتناسب مع التقسيم التوراتي لشعوب الشرق من مثل الكاتب بروملي.[66] يتطلب موضوع إثبات وجود المملكة أم أنها لفظ يتبع تقسيمات توراتيّة إلى إعادة قراءة النقوش ونقض الكثير من النظريات. الحكامملكات دومة الجندل:
في الفترة ما بين 580 - 550 قبل الميلاد حكمت دومة الجندل من قبل ملوك مملكة ددن ماتي وابنه جبرائيل، وفي الفترة ما بين 550–540 قبل الميلاد حكمت دومة الجندل من قبل الملك البابلي نبو نيد. ملوك دومة الجندل الفترة الثانية:
مراجع
الملاحظات
|