كنعانيون
كَنْعَانُ أو أرض كنعان (بالفينيقية: 𐤊𐤍𐤏𐤍 ؛ بالعبرية:כְּנַעַן) هي حضارة ومنطقة تاريخية وشعوب سامية اللغة في الشرق الأدنى القديم، تشمل اليوم فلسطين ولبنان والأجزاء الغربية من الأردن وسوريا. وكانت المنطقة مهمة سياسياً في العصر البرونزي المتأخر خلال حقبة العمارنة، كون المنطقة كانت محل نزاع المصريين والآشوريين. ذُكر الكنعانيون كجماعة إثنية كثيراً في الانجيل العبري، ويعتبر الكنعانيون أقدم الشعوب المعروفة التي استوطنت فلسطين. استبدل الاسم «كنعان» بـ«سورية» عقب سيطرة الإمبراطورية الرومانية على المنطقة. استوطنوا الكنعانيون المناطق الجنوبية من بلاد الشام ما بين 3000 قبل الميلاد إلى 1200ق.م ، وانتشروا على طول ساحل بلاد الشام وتمركزوا في فلسطين. وأطلق اليونانيون اسم فينيقيا المشتق من فينيقيين أي الأحمر الأرجواني على القسم المتوسط والشمالي من ساحل بلاد الشام كما أطلقوا اسم الفينيقين على الكنعانيين سكان الساحل السوري، الفلسطيني واللبناني.[هامش 1] تستخدم كلمة الكنعانيين كمصطلح عرقي يشمل مختلف فئات السكان الأصليين - المجموعات المستوطنة والبدو على حد سواء، في جميع أنحاء جنوب بلاد الشام أو كنعان.[1] وهو إلى حد بعيد المصطلح العرقي الأكثر استخدامًا في الكتاب المقدس.[2] من القرن 7 ق م إلى القرن 4 ق م أسّس الكنعانيون مستعمرات كنعانية جديدة، امتدّت من غرب البحر الأبيض المتوسط إلى حدود السواحل الأطلسيّة. يعتبرهم مؤرخو العرب القدامى من العماليق، وهناك عدّة نظريات حول أصل موطن الكنعانيين، ومن أشهرها أن الكنعانيين من أكبر الموجات المهاجرة التي خرجت من شبه الجزيرة العربية، لكن يناقضها اكتشافات أن المدن الكنعانية في فلسطين أقدم من المدن الكنعانية في شبه الجزيرة العربية. التسميةلا يعرف على وجه الدقة في تحديد تسمية الكنعانيين بهذا الاسم، ولكن هناك طروحات تحاول تفسير الاسم، وغالبا فإن التسمية أطلقتها أمم وأقوام أخرى عليهم.
الأصول الكنعانية
ينتمي الكنعانيون إلى عائلة الشعوب السامية، وبدأ ظهور الكنعانيّين في بداية عصور ما قبل التاريخ، في الفترة التي تُعرَف باسم العصر الحجري النحاسي المُمتدّة من عام 4000-3000ق.م، أي أنّ هذه المرحلة استمرّت قُرابة ألف عام. وقد استقر الكنعانيون في جنوب سوريا وفلسطين وسيطروا عليها سيطرة تامّة، حتى أنها عرفت باسم أرض كنعان أو بلاد كنعان في المرحلة الكنعانيّة (من عام 3000-1200ق.م) التي بدأت بهجرة الكنعانيّين إلى بلاد الشام وبشكل خاص الجهة الشرقيّة من البحر الأبيض المتوسّط؛ وأصبح الكنعانيّون باسم الفينيقيّين؛[5] حيث عاشوا على الشواطئ الشرقيّة للبحر الأبيض المتوسط، وقد وافقت هذه المرحلة العصر الحديدي الذي امتدّ بين عامَي 332-1200ق.م. وهاجر الفينيقيّون الغربيّون من بلاد الشام إلى سواحل وجُزر البحر الأبيض المتوسّط في أوروبا وشمال أفريقيا، وقد كانت هذه المرحلة معاصرةً للمرحلة السابقة مرحلة الفينيقيّين؛ إذ امتدّت بين عامَي 146-1200ق.م.[6] يعتبر مؤرخو العرب القدامى أن الكنعانيون من العماليق، هم من الشعوب في مناطق جنوب سوريا وكذلك وهناك ساحل في منطقة عُمان جنوب الجزيرة العربية يعرف باسم كنعان.[7] هناك عدّة نظريات حول أصل موطن الكنعانيين، ومن أشهر النظريات، بعض المؤرخين كـ«خزعل الماجدي» هي أن الكنعانيين من أكبر الموجات المهاجرة التي خرجت من شبه الجزيرة العربية، لكن يناقضها اكتشافات أن المدن الكنعانية في فلسطين أقدم من المدن الكنعانية في شبه الجزيرة العربية، وخير دليل مدينة أريحا الكنعانية التي هي من أقدم المدن في التاريخ. ووفقاً للتقديرات الموثقة، فإن الهجرة الأمورية الكنعانية الشهيرة من الجزيرة العربية قد حدثت في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد، غير أن بعض الباحثين يستنتجون أن الكنعانيين كانوا منذ بداية الألف الثالث مستقرين في البلاد، مستندين إلى مكتشفات الآثار المصرية.[8] ويذهب باحثون آخرون إلى أبعد من ذلك، حيث يشيرون إلى وجود الكنعانيين ما قبل سبعة آلاف سنة، وذلك من خلال تتبع الآثار في مدنهم القديمة، وأقدمها مدينة أريحا الباقية حتى اليوم التي تعتبر من أقدم المدن في العالم.[8] ويعتقد بعض المؤرخين بأن الكنعانيين جاءوا من بلاد ما بين النهرين.[9] وقد أعطى المؤرخون القدماء عدة فرضيات لأصلهم فرأى سترابو أن أصل الكنعانين هي سواحل الخليج العربي، وذلك لتشابه أسماء مدن تلك المناطق القديمة مع أسماء المدن الكنعانية في الشام، ويرجح أصحاب هذه النظرية أن تكون تلك الخليجية هي الأقدم وهاجروا إلى منطقة بلاد الشام في العصور القديمة. ويرى ابن تيمية أنهم سكان حران وأن ملوكهم هم النماردة «جمع نمرود». ويقول الطبري في تاريخه: (فَعِمْلِيقُ أَبُو الْعَمَالِيقِ كُلِّهِمْ أُمَمٍ تَفَرَّقَتْ فِي الْبِلادِ، وَكَانَ أَهْلُ الْمَشْرِقِ وَأَهْلُ عُمَانَ وَأَهْلُ الْحِجَازِ وَأَهْلُ الشَّامِ وَأَهْلُ مِصْرَ مِنْهُمْ، وَمِنْهُمْ كَانَتِ الْجَبَابِرَةُ بِالشَّامِ الَّذِينَ يُقَالُ لَهُمُ الْكَنْعَانِيُّونَ، وَمِنْهُمْ كَانَتِ الْفَرَاعِنَةُ بِمِصْرَ، وَكَانَ أَهْلُ الْبَحْرَيْنِ وَأَهْلُ عُمَانَ مِنْهُمْ أمة يسمون جاسم، وكان ساكنى الْمَدِينَةَ مِنْهُمْ، بَنُو هفٍّ وَسَعْدِ بْنِ هَزَّانَ، وَبَنُو مَطَرٍ، وَبَنُو الأَزْرَقِ وَأَهْلُ نَجْدٍ مِنْهُمْ بُدَيْلٌ وَرَاحِلٌ وَغِفَارٌ، وَأَهْلُ تَيْمَاءَ مِنْهُمْ وَكَانَ مَلِكُ الْحِجَازِ مِنْهُمْ بِتَيْمَاءَ اسْمُهُ الأَرْقَمُ، وَكَانُوا سَاكِنِي نَجْدٍ مَعَ ذَلِكَ وَكَانَ سَاكِنِي الطَّائِفِ بَنُو عَبْدِ بْنِ ضَخْمٍ...) ويقول ابن كثير في البداية والنهاية: وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ لَمَّا انْفَصَلَ مِنْ بِلَادِ مِصْرَ، وَوَاجَهَ بِلَادَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَجَدَ فِيهَا قَوْمًا مِنَ الْجَبَّارِينَ، مِنْ الْحَيْثَانِيِّينَ، وَالْفَزَارِيِّينَ، وَالْكَنْعَانِيِّينَ، وَغَيْرِهِمْ فَأَمَرَهُمْ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالدُّخُولِ عَلَيْهِمْ، وَمُقَاتَلَتِهِمْ وَإِجْلَائِهِمْ إِيَّاهُمْ عَنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَهُ لَهُمْ، وَوَعَدَهُمْ إِيَّاهُ، عَلَى لِسَانِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ، وَمُوسَى الْكَلِيمِ الْجَلِيلِ، فَأَبَوْا وَنَكَلُوا عَنِ الْجِهَادِ، فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْخَوْفَ، وَأَلْقَاهُمْ فِي التِّيهِ، يَسِيرُونَ، وَيَحِلُّونَ وَيَرْتَحِلُونَ، وَيَذْهَبُونَ، وَيَجِيئُونَ، فِي مُدَّةٍ مِنَ السِّنِينَ طَوِيلَةٍ، هِيَ مِنَ الْعَدَدِ أَرْبَعُونَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ * يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ. وقال المسعودي متحدثا عن كنعان: هو أكبر ولد حام، وهو أول من غير دين نوح ـ عليه السلام ـ وألقى العداوة بينه وبين بني جده من الجبابرة والكنعانيين الذين كانوا بالشام، ويقال فراعنة مصر منهم، وجالوت منهم الذي قتله داود ـ عليه السلام. وتشير الدراسات الحديثة إلى أن الكنعانيين من أولى الشعوب السامية التي قطنت الوطن العربي بعد وصولها من أفريقيا عبر مصر بعد انهيار الحضارة الغسولينية في فلسطين حوالي 3300 ق.م.[10] ويقول محمد حسين الفرح "فليس كنعان من أبناء حام وإنما هو (كنعان بن عويلم بن سام) - كما في الإكليل - وقد أثبتت العديد من الدراسات إن قبائل كنعان سامية، وإن مهد الكنعانيين وموطنهم الأول هو جنوب الجزيرة العربية.[11] وورد في الكتابات العبرية أن الكنعانيين هم سكان البلاد الأصليون، كما ذكر في التوراة أنهم الشعب الأموري. في سفر يشوع، ضُمّن الكنعانيين في قائمة الأمم المطلوب إبادتها، ووُصفوا لاحقًا بأنهم مجموعة «أهلكها الإسرائيليون»،[12][13] على الرغم من أن هذه الرواية تتناقض مع النصوص التوراتية اللاحقة مثل سفر أشعيا. يلاحظ الباحث التوراتي مارك سميث أن البيانات الأثرية تشير إلى «أن الثقافة الإسرائيلية تتداخل إلى حد كبير مع الثقافة الكنعانية وتستمد منها، أي أن الثقافة الإسرائيلية إلى حد كبير كنعانية بطبيعتها».[14]:13–14[15][16] يناصب العديد من المؤرخين الغربيين العداء للكنعانيين تأثراً بالتوراة، مع أنها تمتلئ بالعديد من المغالطات؛ فمثلاً تعتبر التوراة الكنعانيين ساميين في بعض الأحيان، وحاميين في أحيان أخرى، ويتفاخرون بقتل الكنعانيين وحرق مدنهم وقراهم، وإبادة حرثهم ونسلهم في كل موقع كنعاني مروا به، فالكنعانيون في نظرهم شعب يجب أن يمحى ويباد عن وجه البسيطة.[9] تاريخ كنعانيينهناك عدة نماذج زمنية لأرض كنعان، واحد منها تقسم على النحو التالي:
الغزو المصري (1550 ق.م -1200 ق.م)لقد كانت بداية الاستعمار الطويل لبلاد الكنعانيين الذي استمر 12 قرنا هو غزو المصريين لبلاد الشام في عهد الدولة المصرية الحديثة. وقد حدث الغزو خلال القرن الرابع عشر قبل الميلاد في أيام حكم الأسرتين الثامنة عشر والتاسعة عشر ألتي تم فيها القضاء على آخر ملوك الهكسوس حوالي (1567ق.م). وقد كان السبب الرئيسي لهذا الغزو هو تهديد المصالح التجارية لمصر في بلاد الشام، وقد بدأ هجوم المصريين من خلال معركة مجدو في عام 1468 ق.م. والتي انتصر فيها الجيش المصري في النهاية.[17] وقد قاد المصريين في هذه المعركة تحتمس الثالث (1490 - 1436 ق.م) وقد كانت أولى حملاته الحربية، أما الجيش الذي قاتل المصريين فقد كان حلفًا بين ما يقارب الـ350 دويلة كنعانية، لكن أمير الحلف والذي سعى لجمعه هو أمير قادش. وقد اضطر الكنعانيون للاستسلام بعد حصار دام سبعة أشهر على مدينة مجدو التي اجتمعوا فيها والتي سميت المعركة باسمها. وتعتبر أول معركة مجدو تم تسجيلها في الوثائق المقبولة تاريخيا. وهي أيضا أول معركة يتم فيها استخدام القوس المركب، كما أنها أول معركة يتم فيها إحصاء عدد القتلى.[18] ومن الجدير ذكره أن هناك نصوص تفصيلية منذ عهد تحتمس الثالث ومنها ذلك النص المتعلق بمعركة مجدو الفاصلة التي قادها من الجانب الشامي كل من ملك مجدو وملك قادش يدعمها الملك الميتاني، وشارك في هذا التحالف ما يقارب من مائة وعشرين مدينة وورد ذكرها في إحدى قوائم تحتمس الثالث الطبوغرافية. وجاءت هذه النصوص تأتي من مصادر مصرية على شكل نقوش على المسلات التي تم نصبها في كل من الكرنك وممفيس. عُثر على إشارات للكنعانيين في مصر من خلال رسائل تل العمارنة، وهي مجموعة كبيرة من الرُقم الطينية المكتوبة باللغة الأكادية (البابلية) والخط المسماري، وجدت في أرشيف قصر الفرعون أخناتون (أمنحوتب الرابع).[19] وقد وُصفت اللغة المستخدمة في الكتابة أحيانًا بأنها لغة مختلطة من الكنعانية والأكادية. تمتد فترة المراسلات المكتوبة لحوالي ثلاثين عامًا.[20] يبلغ مجموع الألواح المكتشفة 382 لوح طيني، منها 358 تم نشرها من قبل عالم الحضارة الآشورية النرويجي يورغن كنودتزون في كتابه (Die El-Amarna-Tafeln) ، والذي صدر في مجلدين (عامي 1907 و 1915) ولا يزال حتى اليوم يعتبر المرجع الشامل عن هذه الرسائل. تعتبر رسائل العمارنة ذات أهمية كبيرة للدراسات الكتابية وللسانيات السامية ، لأنها تسلط الضوء على ثقافة ولغة الشعوب الكنعانية في العصور التي سبقت المسيحية. فهذه الرسائل وعلى الرغم من كتابتها باللغة الأكادية فهي تشير إلى اللغة الأم لمن كتبوها والذين كانوا يتحدثون باللغة الكنعانيه في شكلها المبكر. حيث تعتبر الكنعانية هي اللغة التي انحدرت منها فيما بعد اللغة العبرية والفينيقية. تقدم اللغة «الكنعانية» الأولية صورة قيمة عن المرحلة الأولية لتلك اللغات قبل عدة قرون من ظهورها الفعلي الأول.[21][22] الغزو الحيثيفي خلال الفترة التي تلت ذلك قامت دولة جديدة في المنطقة هي الدولة الحورية والتي تقاتلت مع مصر في بلاد الشام لمدةٍ من الزمن. وبعد ذلك عقدوا السلم حين تزوج الملك المصري ابنة الملك الحوري، وبعد ذلك استقرت أمور شمال بلاد الشام للحوريين بينما بقي جنوبها مع المصريين. لكن خلال هذه الفترة ادعى الملك الأموري «عبدي عشيرتا» بالرغبة بتوحيد بلاد الشام، وبدأ يستولي على الإمارات الكنعانية والأمورية، وهكذا استطاع بسط سيطرته ومن بعده ابنه «عزيرو» على كل بلاد الشام. وقد كان الحيثيون يدعمون عبدي وابنه في توحيد بلاد الشام، وقد انتظروا حتى توحدت على أيديهم ثم غزوها وضموها إلى أراضيهم. وقد حاولت بعض مدن بلاد الشام المقاومة مثل أوغاريت لكنها فشلت. وقد أحس الفرعون «سيتوس الأول» بخطر الحيثيين ولذلك سار واسترجع بعض المدن الشامية مثل مجدو وحوران وبعض المدن التي تقع اليوم ضمن حدود لبنان. وحينها عقد الملك الحيثي «موواتالي» معاهدة سلامٍ مع المصريين بحيث يبقى الجزء الشمالي من بلاد الشام في يد الحثيين والنصف الجنوبي مع المصريين. الغزاة اللاحقونفي عام 1190 ق.م سقطت الدولة الحيثية إثر مهاجمة الإغريق وبعض الشعوب العراقية لها من مختلف الجهات.وخلال ذلك الحين استغل الملك الآشوري «تجلات بلاسر الأول» (من 1090 إلى 1116 ق.م) الفرصة واجتاح جنوب سوريا، وأجبر مدينة جبيل على دفع الجزية واستولى على جزيرة أرواد لمدةٍ من الزمن، ولكن لم تكن فترة حكم الآشوريين طويلة كما أنها اقتصرت على مساحة صغيرة من أراضي الكنعانيين. وجاء في المختصر في أخبار البشر لأبي الفداء: نزل كنعان في الشام ونزل في جهة فلسطين، وتوارثها بنوه، وكان كل من ملك من بني كنعان يلقب جالوت، إِلى أن قتل داود جالوت آخر ملوكهم، وكان اسمه كلياد عن البيروني ذكر ذلك في أواخر كتاب الجواهر، فتفرقت بنو كنعان وسار منهم طائفة إلى المغرب وهم البربر. الحضارة الكنعانيينالمجتمعاتاشتهر الكنعانيون بالزراعة والصناعة وبرعوا في التعدين وصناعة الخزف والزجاج والنسيج والثياب كما برعوا في فن العمارة، وتأتي الموسيقى والأدب على رأس الهرم في الحضارة الكنعانية، حيث لم يعن شعب سامي بالفن والموسيقى كما عني به الكنعانيون، فقد اقتبسوا كثيراً من عناصر موسيقاهم من شعوب مختلفة توطنت الشرق الأدنى القديم، وذلك لأن طقوس العبادة الكنعانية كانت تقتضي استخدام الغناء، وهكذا انتشرت ألحانهم وأدوات موسيقاهم في جميع بقاع المتوسط.[8][23] ظهرت التأثيرات الكنعانية المحلية على مختلف فلسطين من أسماء آلهتهم أمثال داجون وعشتروت، والحياة الدينية عند سكان الساحل الفلسطيني كنعانية الأصل، وكذلك المباني الدينية وأهمها سلسلة المعابد المتعاقبة في تل القصيلة التي أنشات على غرار المعابد الكنعانية مع ما يظهر عليها من تأثيرات مصرية. القبائل الكنعانية
الدياناتمورست الديانات الكنعانيه طوال العصر البرونزي والعصر الحديدي. حتى القيام بعمليات الحفر التي بدأت عام 1928 في مدينة رأس شمرا (المعروف أيضا باسم أوغاريت) في شمال سوريا، لم يعرف الباحثون عن الديانات الكنعانية حتى اكتشفوا أرشيفا من نصوص طينيه من العصر البرونزي مكتوبة بالأبجدية المسمارية تشرح الممارسات الدينية الكنعانية. وقبل هذا الأكتشاف، كانت التوراة المصدر الوحيد عن ثقافة الكنعانيين. وهناك نصوص تدعم روايات الكتاب المقدس منها مثنوية ومثلثة بما في ذلك أعمال لوسيان من الساموساطي بعنوان «ألهة سوريا» (القرن الثاني الميلادي)، ونثر حول التاريخ لفينيقي حفظها فيلو بيبلوس (حوالي 64 م – 141 م) وكتابات داماسسيوس (ق. 458 – 538 م). دراسات حديثة حول المواد الأوغاريتية كشفت معلومات إضافية حول الدين المنطقة، تستكملها النقوش الشامية وأرشيف تل إبلا (حفرت في وقت مبكر من ستينات القرن العشرين). تظهر الديانة الكنعانيين تأثير واضح من الممارسات الدينية لحضارات ما بين النهرين ومصر. مثل غيرهم من شعوب الشرق الأدنى القديم، كانت الديانة الكنعانية شركية، وتركز الأسر عادة على عبادة الأجداد مع الإقرار بوجود آلهة أخرى مثل بعل، عناة، وإيل. كما لعب الملوك لعبت دورا هاما في الديانة وفي بعض الاحتفالات، مثل الزواج المقدس في مهرجان السنة الجديدة. المعتقدات والديانة الأوغاريتية هي امتداد للديانة الكنعانية في سورية كما تبين الأساطير الميثولوجية الواردة في النصوص الدينية والملاحم ونصوص الشعائر والعبادات، وكذلك تدل المعابد في المدينة عن المعتقدات والعبادات السائدة انذاك وهناك عدة معابد أهمها معبدين على الأكروبول (مرتفع المدينة)، بينهما بيت الكاهن الأكبر، معبد الإله إل (ءل - ءيل - إيل)، (بيت إيل) وربما معبد الإله دجن (داجان، داجون) معه، في الجهة الجنوبية الشرقية والذي يرجح تاريخ بناؤه بـ 2000 ق.م، ومعبد الإله بعل (بيت بعل) في الجهة الشمالية الغربية وهو أحدث في حوالي 1400 ق.م وكان للمعتقدات طقوسها وشعائرها. أدت مجموعة عوامل على رأسها مهاجمة «شعوب البحر» لمنطقة الساحل السوري الكنعاني إلى توقف الحياة في أوغاريت في العام 1185 قبل الميلاد تقريبًا. الطقوس الدينية
اللغةكان الكنعانيون يتحدثون الكنعانية، وهي لغة سامية مشابهة للغة الساميين الشماليين الغربيين (العموريون) والتي تربطهم علاقة لغوية وثيقة، وقد تزامنت هجرتهم إلى بلاد الشام معهم. وقد انتشرت اللغات الكنعانية في أرض كنعان التي تشمل أساساً فلسطين والساحل الغربي للبنان والجنوب الغربي من سوريا على لسان الكنعانيين بعد هجرتهم إليها، وكانت هذه اللغات عبارة عن مجموعة من اللهجات المتقاربة من بعضها البعض في الصفات اللغوية. اللغة الوحيدة من عائلة اللغات الكنعانية التي لا تزال مستخدمة حتى اليوم هي اللغة العبرية.[28] كان للكنعانيين لهجة خاصة تمثل أحد فروع اللغات السامية التي تجمعها واللغة العبرية والأُغاريتية والمؤابية والأدومية قرابة واضحة. وقد كتب الكنعانيون في البداية كتابة تصويرية خاصة بهم، ثم اخترعوا كتابة ألفبائية في أُوغاريت، ذات شكل مسماري، وكتابة ألفبائية أخرى في جبيل، دعيت باسم «الكتابة الفينيقية».[29] ينقسم الكنعانيّون حسب التصنيف اللغوي إلى عدّة فروع أشهرها
المدن الكنعانية
لم يشكل الكنعانيون دولة موحدة، بل كانت لهم بضع دول في بلاد الشام. واستقرت في الشريط الساحلي والجزء الشمالي والغربي، وأسست فيه حضارات ومدن وممالك كمملكة إبلا، ومملكة يمحاض في حلب، ومملكة أوغاريت قرب اللاذقية، وأطلق تجار اليونان على الكنعانيين من سكان الساحل في جزيرة أرواد وجبيل وصيدا وصور اسم الفينيقيين.[37] من أقدم المدن الكنعانية الباقية حتى اليوم: أريحا (أريحا عند الكنعانيين تعني قمر)، أسدود، عكو (عكا) ، هزاتي (غزة) ، يافي (يافا) ، أشكلون (عسقلان) ، بيت شان (بيسان) ، الخليل (كانت تسمى بقرية أربع نسبة إلى ملك كنعاني اسمه أربع) ، آبل (الناصرة) ، وهناك أيضاً العديد من المدن والقرى منها ما بقي حتى اليوم ومنها ما اندثر، وقد كانت شكيم العاصمة الطبيعية لكنعان.[9] تعني كلمة شكيم المنكب أو الأرض المرتفعة، وموقع المدينة في الغالب شرق مدينة نابلس الحالية إلى الشمال قليلا من القرية المعروفة اليوم باسم بلاطة البلد، وجاء في التوراة أن يعقوب حينما أتى إلى شكيم وأذن له بالنزول بجوارها، كان حاكم المدينة حمور الحوى الكنعاني وذكرت أن اسم ابنه كان شكيم أيضاً.[8][38] وقد بنى اليبوسيون بقيادة ملكهم «ملكي صادق» مدينة القدس وأسموها «شاليم»، وهو اسم إله السلام عند الكنعانيين. بذل الإسرائيليون الجهد الكبير لإيهام العالم بأنهم هم الذين كانوا بناة الحضارة الكنعانية، وأصحاب الأناشيد والتراتيل والغناء، وقد تمكنوا فعلاً من جعل الوهم حقيقة في عقول الكثيرين، إلا أن المؤرخين الكبار الثقات أمثال (جيمس هنري برستد) الذي يصف المدن الكنعانية المزدهرة يوم دخلها العبريون بقوله أنها كانت مدنا فيها البيوت المترفة المريحة، وفيها الصناعة والتجارة والكتابة والمعابد وفيها الحضارة التي سرعان ما اقتبسها العبريون الرعاة البدائيون، فتركوا خيامهم وقلدوهم في بناء البيوت، كما خلعوا الجلود التي ارتدوها في الصحراء، وارتدوا الثياب الصوفية الزاهية الألوان، وبعد فترة لم يعد بالإمكان أن يفرق المرء بين الكنعانيين والعبرانيين بالمظهر الخارجي ، وبعد دخول الفلسطينيين من جهة البحر والإسرائيليين من جهة الأردن، توزعت أرض كنعان بين الأقوام الثلاثة، ولم يعد الكنعانيون وحدهم سادة البلاد، غير أن اللغة الكنعانية بقيت هي السائدة.[8][1][39] ومنذ فجر التاريخ المكتوب أي منذ خمسة آلاف سنة لم تعرف فلسطين حتى عهد الانتداب البريطاني سنة 1917 سوى لغات ثلاث: الكنعانية أولاً، والآرامية ثانياً، -وهي اللغة التي تكلم بها السيد المسيح- والعربية ثالثاً.[8] اسماء نُسبت للكنعانيةانظر أيضًاالهوامش
وصلات خارجية
مراجع
|