ابن الشبل البغدادي
ابن الشبل البغدادي (وُلِد عام 401 هـ في حيّ الحريم الطاهري بِبغداد، العراق - وتُوفي 20 محرم، 473 هـ في بغداد، العراق)، هُو أديب وشاعر وفيلسوف وطبيب وفقيه ولغوي وفلكي عباسي. اسمه ونسبهذكر أغلب من أّرخ له أنّ اسمه هُوّ أبو عليّ محمّد بن الحسين بن عبد الله بن أحمد بن يوسف بن الشبل بن أُسامة البغداديّ[1][2]، بينما سمّاه ابن أبي أصيبعة أبو علي الحسين بن عبد اللّه بن يوسف بن شبل، أما الصفدي فقد قال بعد أن ذكر الاسم الأول: «وزعم بعضهم أنه الحسين بن عبد الله.[3]» مولده ونشأتهوُلِد ابن الشبل البغدادي في حيّ الحريم الطاهري بِبغداد عام 401 هـ حسبما ذكر ياقوت الحموي وابن النجار.[4] نشأ في بغداد وتعلّم على يد علماؤها وكان مِما درسه على أيديهم الطب والفقه والفلك والشعر والأدب والنحو والصرف والفلسفة.[5] ما جاء عنهنبغ في كُلٍ من طب العيون واللغة العربية والفلسفة والفلك والشعر والفقه[6]، وأبرز ما اشتهر به هُوّ شِعره وحكمته وقد كان دائماً محط ثناء عند المؤرخين إذ قال فيه ابن أبي أصيبعة صاحب كِتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء بعدما ذكر شيئاً من طبه:
وقال فيه علي الباخرزي المُعاصر له: ويقول ياقوت الحموي:
أما ابن النجار فيقول في ترجمته:
ويقول القفطي: وقال ابن خلكان:
ويقول عنه ابن أخ السلطان صلاح الدين الأيوبي وهو الملك والجغرافي والمؤرخ تقي الدين عمر الأيوبي في كِتابه أخبار الملوك ونزهة الممالك والمملوك في طبقات الشعراء:
أما الصفدي فقد وصفه في ترجمته بِالشاعر الحكيم وقال واصِفاً شعرهـ:
كما يُعّد ابن الشبل البغدادي مِن ظرّاف وندماء بغداد المشهورين على الرغم من علوّ منزلته ورفعة قدره إذ كان على علاقات وديّة طيّبة مع كبار رجالات عصره وأعيانه، وخاصّةً ابن قراوش، ومحمّد بن الحسين، ودبيس بن صدقة، ومعتمد الدولة بن جهير، وغيرهم مشاهير العِلم والحُكم في بغداد.[14] شِعره وديوانهلعل أكثر ما برز به ابن الشبل بعد طب العيون هُوّ الشِعر، كان الغالب على شِعره هُوّ الحِكم والمواعظ والتدبر، وكان غالباً ما يقتبس جُملاً وعبارات من القرآن ويستعمل في شِعره الكثير من الأساليب القرآنيَّة وهذا زاد مِن بيان وطلاوة قصائده.[15][16] له ديوان شهير كان أول من ذكره ابن النجار فيالقرن السابع الهجري ثُمّ تبعه في ذلك القفطي ومن بعدهم ذكره أيضاً الذهبي وصلاح الدين الصفدي.[17] ولكن هذا الديوان فُقِد وضاع كما ضاعت أكثر أشعار وقصائد ابن الشبل مرور السنوات والدهور، ولم يصل لنا في العصر الحالي إلا عشرين قصيدة من قصائد ابن الشبل الكثيرة، وقد قام ابن أبي أصيبعة بجمع أغلب قصائده الموجودة اليوم. أشهر قصائده الباقية هيّ قصيدة بلاغية تحكي عن الحكمة وقد نُسِبت إلى ابن سينا وذلك خلط من الناس لأنّ ابن الشبل يتشارك الكثير مع ابن سينا فكنيته «أبو علي» نفس كنية ابن سينا واسم والده ابن الشبل نفس اسم والد ابن سينا وأيضاً هناك من زعم أن ابن الشبل اسمه الحسين بن عبد الله وهذا اسم ابن سينا الحقيقي، كُلّ ذلك ساهم في نسبة القصيدة إلى ابن سينا وهي في واقع الأمر ليست كذلك. وهذه القصيدة هي: بربك أيها الفلك المدار أقصد ذا المسير أم اضطرار مدارك قل لنا في أي شيء ففي أفهامنا منك ابتهار وفيك نرى الفضاء وهل فضاء سوى هذا الفضاء به تدار وعندك ترفع الأرواح أم هل مع الأجساد يدركها البوار وموج ذا المجرة أم فرند على لجج الدروع له أوار وفيك الشمس رافعة شعاعاً بأجنحة قوادمها قصار وطوقٌ في النجوم من الليالي هلالك أم يد فيها سوار وشهب ذا الخواطف أم ذبال عليها المرخ يقدح والعفار وترصيع نجومك أم حباب تؤلف بينه اللجج الغزار تمد رقومها ليلاً وتطوى نهاراً مثل ما طوى الإزار فكم بصقالها صدي البرايا وما يصدى لها أبداً غرار تباري ثم تخنس راجعات وتكنس مثل ما كنس الصوار فبينا الشرق يقدمها صعوداً تلقاها من الغرب انحدار على ذا ما مضى وعليه يمضي صوالُ مني وآجال قصار وأيام تعرفنا مداها لها أنفاسنا أبداً شفار ودهر ينثر الأعمار نثراً كما للغصن بالورد انتثار ودنيا كلما وضعت جنيناً غذاه من نوائبها ظؤار هي العشواء ما خبطت هشيم هي العجماء ما جرحت جبار فمن يوم بلا أمس ليوم بغير غد إليه بنا يسار ومن نفسين في أخذ ورد لروع المرء في الجسم انتشار وكم من بعد ما ألفت نفوس حسوماً عن مجاثمها تطار ألم تك بالجوارح آنسات فكم بالقرب عاد لها نفار فإن يك آدم أشقى بنيه بذنب ماله منه اعتذار ولم ينفعه بالأسماء علم وما نفع السجود ولا الجوار فاخرج ثم أهبط ثم أودي فترب الساقيات له شعار فأدركه بعلم اللّه فيه من الكلمات للذنب اغتفار ولكن بعد غفران وعفو يُعَيَّر ما تلا ليلاً نهار لقد بلغ العدو بنا مناه وحل بآدم وبنا الصغار وتهنا ضائعين كقوم موسى ولا عجل أضل ولا خوار فيا لك أكلة ما زال منها علينا نقمة وعليه عار تُعاقب في الظهور وما ولدنا ويُذبح في حشا الأم الحوار وننتظر الرزايا والبلايا وبعد فبالوعيد لنا انتظار ونخرج كارهين كما دخلنا خروج الضب أحوجه الوجار فماذا الامتنان على وجود لغير الموجدين به الخيار وكانت أنعما لو أن كوناً نخير قبله أو نستشار أهذا الداء ليس له دواء وهذا الكسر ليس له انجبار تحير فيه كل دقيق فهم وليس لعمق جرحهم انسبار إذا التكوير غال الشمس عنا وغال كواكب الليل انتثار وبدلنا بهذي الأرض أرضاً وطوح بالسموات انفطار وأذهلت المراضعُ عن بنيها لحيرتها وعطلت العشار وغشى البدر من فرق وذعر خسوف للتوعد لا سرار وسيرت الجبال فكن كثباً مهيلات وسجرت البحار فأين ثبات ذي الألباب منا وأين مع الرجوم لنا اصطبار وأين عقول ذي الإفهام مما يراد بنا وأين الاعتبار وأين يغيب لب كان فينا ضياؤك من سناه مستعار وما أرض عصته ولا سماء فَفيم يغول أنجمها انكدار وقد وافته طائعة وكانت دخاناً ما لفاتره شرار قضاها سبعة والأرض مهداً دحاها فهي للأموات دار فما لسمو ما أعلا انتهاء ولا لسمو ما أرسى قرار ولكن كل ذا التهويل فيه لذي الألباب وعظ وازدجار [18] يقول ابن أبي أصيبعة عن هذه القصيدة:
وعِندما تُوفيّ أحمد بن الحُسين أخ ابن الشبل قال يرثيه: غاية الحزن والسرور انقضاء ما لحيٍ من بعد ميت بقاء لا لبيد بأربد مات حزنًا وسلت عن شقيقها الخنساء مثل ما في التراب يبلى فالح زن يبلى من بعده والبكاء غير أن الأموات زالوا وأبقوا غصصًا لا يسيغه الأحياء إنما نحن بين ظفر وناب من خطوب أسودهن ضِراء نتمنى وفي المنى قصر العمر فنغدو بما نسر نساء صحة المرء للسقام طريق وطريق الفناء هذا البقاء بالذي نغتذي نموت ونحيا أقتل الداء للنفوس الدواء ما لقينا من غدر دنيا فلا كانت ولا كان أخذها والعطاء راجع جودها عليها فمهما يهب الصبح يسترد المساء ليت شعري حلمًا تمر بنا الأيام أم ليس تعقل الأشياء من فساد يجنيه للعالم الكون فما للنفوس منه اتقاء قبّح اللّه لذة لأذانا نالها الأمهات والآباء نحن لولا الوجود لم نألم الفقد فإيجادنا علينا بلاء وقليلًا ما تصحب المهجة الجسم ففيهم الأسى وفيم العناء ولقد أيد الإله عقولًا حجة العود عندها الإبداء غير دعوى قوم على الميت شيئًا أنكرته الجلود والأعضاء وإذا كان في العيان خلاف كيف بالغيب يستبين الخفاء ما دهانا من يوم أحمد إلا ظلمات ولا استبان ضياء يا أخي عاد بعدك الماء سما وسمومًا ذاك النسيم الرخاء والدموع الغزار عادت من الأنفاس نارًا تثيرها الصعداء وأعدّ الحياة عذرًا وإن كانت حياة يرضى بها الأعداء أين تلك الخلال والحزم أين العزم أين السناء أين البهاء كيف أودى النعيم من ذلك الظل وشيكًا وزال ذاك الغناء أين ما كنت تنتضي من لسان في مقام للمواضي انتضاء كيف أرجو شفاء وما بي دون سكناي في ثراك شفاء أين ذاك الرواج والمنطق المونق أين الحياء أين الإباء إن محا حسنك التراب فما للدمع يومًا من صحن خدي انمحاء أو تبن لم يبن قديم وداد أو تمت لم يمت عليك الثناء شطر نفسي دفنت والشطر باق يتمنى ومن مناه الفناء إن تكن قدمته أيدي المنايا فإلى السابقين تمضي البطاء يدرك الموت كل حي ولو أخفته عنه في برجها الجوزاء ليت شعري وللبلى كل ذي الخلق بماذا تميز الأنبياء موت ذا العالم المفضل بالنطق وذا السارح البهيم سواء لا غوي لفقده تبسم الأرض ولا للتقي تبكي السماء كم مصابيح أوجه أطفأتها تحت أطباق رمسها البيداء كم بدور وكم شموس وكم أطواد حلم أمسى عليها العفاء كما محا غرة الكواكب صبح ثم حطت ضياءها الظلماء إنما الناس قادم إثر ماضٍ بدء قوم للآخرين انتهاء[19] وفاتهحسبما ذكر القفطي نقلاً عن ابن المارستانية تُوفيّ بِيوم السبت 20 محرم، 473 هـ في بغداد، العراق، ودُفِن يوم الأحد في مقبرة دار حرب، وقال الذهبي أنّ عُمره حينئذٍ 72 عاماً.[20] وصلات خارجيةمراجع
|