أبو منصور الثعالبي
عبد الملك بن محمد بن إسماعيل [2](350 هـ - 429 هـ / 961 1038م) الذي يُعرف بأبي منصور الثعالبي النيسابوري، أديب عربي فصيح عاش في نيسابور وضلع في النحو والأدب وامتاز في حصره وتبيانه لمعاني الكلمات والمصطلحات. أصل لقبهلقب أبو منصور بالثعالبي لأن والده كان فرَّاءً يخيط جلود الثعالب ويعملها، وإذا عرفنا أنه كان يؤدِّب الصِّبيان في كُتّاب استطعنا أن نقول جازمين أن عمل الجلود لم يكن صناعة يعيش بها، ويحيا لأجلها، بل كانت من الأعمال التي يعالجها المؤدِّبون في الكتاتيب وهم يقومون بالتأديب والتعليم، وقد شدَّ كل منهم خيوط الصوف إلى رقبته والمغزل في يده. صداقته مع الباخرزيعاش الثعالبي بنيسابور، وكان هو ووالد الباخرزي صِنوَين لَصيقَي دار، وقريني جوار، تدور بينهما كتب الإخوانيات، ويتعارضان قصائد المجاوبات. ونشأ الباخرزي في حجر الثعالبي، وتأدب بأدبه، واهتدى بهديه، وكان له أبا ثانيا، يحدوه بعطفه، ويحنو عليه ويرأف به. ذكر تلك الصلة الباخرزي، ونقل عن الثعالبي فيما نقل عنه في كتابه «دمية القصر» أشعارا له رواها أبوه عنه إلا أنه لم يذكر لنا شيئا مما جرى بين الشيخين الصديقين. علمهكان الثعالبي واعية كثير الحفظ، فعرف بحافظ نيسابور، وأوتي حظا من البيان بزَّ فيه أقرانه، فلقب بجاحظ زمانه، وعاش بنيسابور حجَّة فيما يروي، ثقة فيما يحدِّث، مكينا في علمه، ضليعا في فنه، فقصد إليه القاصدون، يضربون إليه آباط الإبل، بعد أن سار ذكره في الآفاق سير المثل. مما قيل عن الثعالبينقتطف هنا جُمَلا نعته بها أعلام الأدب وأصحاب التواليف السائرة.
«كان في وقته راعي تلعات العلم، وجامع أشتات النثر والنظم، رأس المؤلفين في زمانه، والمصنفين بحكم أقرانه، طلعت دواوينه في المشارق والمغارب، طلوع النجم في الغياهب، وتآليفه أشهر مواضع، وأبهر مطالع، وأكثر من أن يستوفيها حدٌّ أو وصف، أو يوفي حقوقها نظم أو رصف».
«هو جاحظ نيسابور، وزبدة الأحقاب والدهور، لم تر العيون مثله، ولا أنكرت الأعيان فضله، وكيف ينكر وهو المزن يحمد بكل لسان، وكيف يستر وهو الشمس لا تخفى بكل مكان».
«كان يلقب بجاحظ زمانه، وتصانيفه الأدبية كثيرة إلى الغاية».
«وأما أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي فإنه كان أديبا فاضلا، فصيحا بليغا»
«وأبو منصور هذا يعيش إلى وقتنا هذا، وهو فريد دهره، وقريع عصره، ونسيج وحده، وله مصنفات في العلم والأدب، نشهد له بأعلى الرتب».
قلبي رهَينٌ بنسابور عند أخٍ ما مثله حين تَستَقري البلاد أخُ له صحائف أخلاق مهذبةٍ من الحِجا والعلا والظرف تُنتَسَخُ
كُتْبُ القَر يضِ لآلي نُظِمَتْ على جِيدِ الوجودْ فَضلُ اليتيمة بينها فضل اليتيمة في العقودْ ومنها: أبيات أشعار اليتيمة أبيات أفكار قديمةْ ماتوا وعاشت بعدهم فلذاك سميت اليتيمةْ
سَحَرتَ الناس في تأليف "سحرك" فجاء قلادةً في جيد دهركْ وكم لك من معانٍ في معان شواهد عند ما تعلو بقدركْ وُقِيتَ نوائب الدنيا جميعاً فأنت اليوم حافظ أهل عصركْ
كان أبو منصور الثعلبي أبرع في الآداب من ثعلبِ ليت الردى قدَّمني قبله لكنه أروغ من ثعلبِ يطعن من شاء من الناس بالـ موت كطعن الرمح بالثعلبِ هذه طائفة من القول تدلك على مكانة الثعالبي عند المتقدمين، نجتزئ بها، ونقف عندها. ثم لعل في هذه الطُّرفة التي جرت بينه وبين سهل بن المرزبان ما يعطيك صورة عن الثعالبي شاعرا: قال الثعالبي: قال لي سهل بن المرزبان يوما: إن من الشعراء من شَلْشَل، ومنهم من سَلْسَل، ومنهم من قَلْقَل، ومنهم من بَلْبَل {يريد بمن شلشل: الأعشى في قوله: وقد أروح إلى الحانوت يتبعني شاوٍ مِشَلٌ شَلولٌ شُلْشُلٌ شَوِلُ وبمن سلسل: مسلم بن الوليد في قوله: سُلَّتْ وسُلَّتْ ثم سُلَّ سَليلها فأتى سَليلُ سَليلها مَسْلولا وبمن قلقل: المتنبي في قوله: فقَلْقَلْتُ بالهمِّ الذي قَلْقَل الحَشا قَلاقل عيسٍ كلهن قَلاقِلُ فقال الثعالبي: إني أخاف أن أكون رابع الشعراء (أي أراد قول الشاعر: الشعراء فاعلمنَّ أربعة: «فشاعر يجري ولا يُجرى معه وشاعر من حقه أن ترفعه وشاعر من حقه أن تسمعه وشاعر من حقه أن تصفعه»). ثم إني قلت بعد ذلك بحين: وإذا البلابل أفصحت بلغاتها فانفِ البلابل باحتساء بَلابِلِ فكان بهذا رابع فحول ثلاثة لهم القدم الثابتة في الشعر، نعني الأعشى ومسلم بن الوليد والمتنبي. مولده ووفاتهليس بين الذين تحدثوا عن الثعالبي خلاف في ميلاده، بل تكاد ترى لهم كلمة مجمعا عليها بأن أبا منصور ولد سنة خمسين وثلاث مائة، ولم يشر للخلاف في سنة وفاته غير الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات حيث قال: «وتوفي -يريد الثعالبي- سنة ثلاثين وأربع مائة، وقيل سنة تسع وعشرين» وعلى الرأيين فقد قضى الثعالبي نحبه في الثمانين من عمره تاركا ما يُربي على الثمانين مؤلفا يُعمَرُ بها ضعف هذا العمر، وقد تنقضي أعمار كثيرة دون أن تبلغ في هذا شأوه، غير أنه عاش مع هذه البسطة في العلم والتواليف مهضوما، شبه مضيق يشكو مع العوز جورا وظلما، قال: ثلاث قد مُنيت بهن أضحت لنار القلب مني كالأثافي ديون أنقضت ظهري وجور من الأيام شاب له غُدافي ومقدار الكفاف وأي عيش لمن يُمنى بفقدان الكفافِ وقال أيضًا: الليل أسهره فهمِّي راتب والصبح أكرهه ففيه نوائبُ فكأن ذاك به لطرفي مُسهرٌ وكأن هذا فيه سيف قاضبُ أو لعل هذا وذاك شكوى ساعة ونفثة يراعة فقد عرفنا عن الثعالبي أنه نشأ في جوار الأمير أبي الفضل الميكالي وفي ظل الوزير سهل بن المرزبان تربط بينهم جميعا صداقة ومودة كشف لك عن بعضها شعره إليهما كما عرفنا محله من خوارزم شاه ووزيره أبي عبد الله الحمدوني. كتبهونحن نذكر لك فيما يلي كتبه كتابا كتابا، معتمدين في هذا النقل على الصفدي، فقد انفرد من بين المراجع جميعها بذكر هذه الجملة الوفيرة وأكثر الظن أنه ليس للثعالبي بعد ما ذكره الصفدي شيء آخر، هذا على ما في الصفدي من اضطراب في الأسماء اضطررنا معه لمعارضة ما فيه بأصول أخرى، ثم الرجوع إلى الفهارس التي ألقت في روعنا شيئا من الظن، بأن من بين هذه الكتب ما ليس للثعالبي، كما أن منها المشترك في اسم واحد، على الرغم مما قمنا به من تحرير سريع. وقد يتسع غير هذا الموضع لهذا التحرير كاملا فيقطع الشك باليقين ويتضح المُشكل من أمرها ويبين، وها هي ذي:
أليف عبد الرحمن الثعالبي وليس أبو منصور الثعالبي* كتاب حجة العقل.
المراجع
وصلات خارجية
|