محمد الأمين
تولى مُحَمَّد الأمين الخلافة بين عامي 193 إلى 198 للهجرة 809 - 813 ميلادية، ودامت فترة حكمه خمس سنوات تقريبًا، وأهم ما ميز عهده هو النزاع الذي قام بينه وبين أخيه المأمون، كان هذا النزاع استمرارًا للصراع القائم بين العرب والعجم داخل الدولة العباسية، وكان يمثل الحزب العربي الأمين ووزيره الفضل بن الربيع، أما الحزب الفارسي فكان يتمثل بالمأمون ووزيره الفضل بن سهل ومر النزاع بين الأمين والمأمون على مرحلتين، المرحلة الأولى كانت دبلوماسية سلمية انتهت سنة 195 هجرية، والمرحلة الثانية كانت مرحلة حرب انتهت بمقتل الأمين سنة 198 هجرية.[1] صفاتهعاش الأمين في وسط مترف لذلك كان قليل الصرامة وكان هذا بعيدا عن أخلاق العباسيين الأوائل الذين عرفوا بالقسوة والشدة، ويروى أن أحد أتباع الأمين أقترح عليه أن يقبض على ولدي أخيه المأمون الذين كانا في بغداد، وأن يهدد بهما المأمون، فغضب الأمين عند سماعه ذلك وقال «وتدعوني إلى قتل ولدي وسفك دماء أهل بيتي؟ إن هذا لتخليط». إلى جانب ذلك، كإن الأمين مثقفًا، واسع الاطلاع في اللغة والفقه والأدب والتاريخ، وقد شهد بذكائه أساتذته الذين أشرفوا على تعليمه، كالكسائي والأصمعي، لهذا كان الأمين موضعًا لمديح ورثاء شعراء عصره.[2] قبل الخلافةكان هارون الرشيد قد عهد بولاية العهد للأمين وللمأمون من بعده، ففي سنة 186 هـ حج الرشيد ومعه أبنائه الأمين والمأمون، وهناك في البيت الحرام (أي الكعبة) أخذ عليهما المواثيق المؤكدة بأن يخلص كل منهما لأخيه وأن يترك الأمين للمأمون كل ما عهد إليه من بلاد المشرق، ثغورها وكورها وجندها وخراجها وبيوت أموالها وصدقاتها وعشورها وبريدها، وسجل الرشيد هذه المواثيق على شكل مراسيم وعلقها في الكعبة لتزيد في قدسيتها، ويؤكد تنفيذها، كما كتب منشورًا عامًا بهذا المعنى للآفاق. وبذلك ضمن العرب الخلافة للعربي النسب، والعجم بزعامة البرامكة ضمنوا الشرق لرجل أخواله عجم.[3] خلافة الأمينتولى الأمين الخلافة في 15 جمادى الآخرة من سنة 193 بعد أن وصله كتاب من أخيه صالح بن الرشيد يعلمه بوفاة أبيه هارون الرشيد ويعزيه.[4][5] وكان الأمين قد تلقى علوم الفقه واللغة من الكسائي، وقرأ عليه القرآن، ولا يذكر التاريخ في خلافة الأمين والتي دامت قريبًا من الخمس سنوات 193-198 هـ/809 - 813 م الكثير، غير أنه أعطى المجاهدين مالًا عظيمًا، ووجه جيشًا تابعًا له لغزو الروم، وأعطى مدن الثغور المواجهة للروم شيئًا من عنايته، فأمر في سنة 193 هـ/ 809م ببناء مدينة أضنة، وأحكم بناءها وتحصينها، وندب إليها الرجال لسكناها، أما فيما عدا ذلك، فقد مرت خلافته في صراع بينه وبين أخيه المأمون من أجل الخلافة، انتهى بقتل الأمين وانفراد المأمون بالحكم. الخلاف بين الأمين والمأمونبدأ النزاع على شكل مراسلات وسفارات متبادلة بين الأخوين حول مشكلة العهد المعلق في الكعبة، فالمأمون يرى التمسك بنصوص هذا العهد الذي يقضي بالاستقلال بشؤون خراسان خلال حكم أخيه الأمين، أما الأمين فيرى نفسه خليفة للمسلمين ويستطيع التصرف في أمور خراسان كما تقضي بذلك المصلحة العامة، وأن النص على ولاية المأمون لخراسان لا يعني استقطاع هذه الولاية من الخلافة نهائيًا بل ينبغي أن يكون للخليفة شيء من النفوذ وذلك بأن يضع على خراسان بريدًا، لهذا طالب الأمين بوضع نظام للبريد تابع له في خراسان لكن المأمون رفض.[6] ولا شك أن مطامع رجال الحاشية في بلاط كل من الأمين والمأمون كانت من العوامل التي زادت في اتساع الخلاف بين الأخوين، فالفضل بن الربيع ينصح الأمين بأن يستدعي أخاه المأمون إلى بغداد حتى يظفر به كرهينة ويفصل بينه وبين جنده، والفضل بن سهل يوعز إلى المأمون بالاعتذار عن الذهاب إلى بغداد بحجة أن أمور خراسان تستدعي البقاء فيها، وهنا طلب الأمين من المأمون أن يتنازل له عن بعض كور خراسان بحجة أن مال خراسان يكفيها، أما مال العراق فلا يكفيه، إلا أن المأمون رفض ذلك الطلب. وغضب الأمين من رفض المأمون لمطالبه وأرسل إليه رسالة يخيره فيها بين الإذعان لشروطه أو التعرض لنار لا قبل له بها، ولكن المأمون لم يأبه لهذا التهديد ورد عليه بأنه لا يخشى في الحق لومة لائم.[7] نهاية الأمينفشلت المفاوضات السلمية التي كانت قائمة بين الأمين والمأمون، مما جعل الطرفان يحتكمان للحرب، ففي أوائل سنة 195 هـ، أمر الأمين بوقف الدعاء للمأمون وأعلن البيعة لابنه موسى ولقبه بالناطق بالحق، ونقش اسمه على السكة وكان هذا بمثابة خلع المأمون، ثم بعث من سرق الكتابين بالكعبة وحرقهما، وأمام هذا الإعلان رأى المأمون أن يستعد للحرب؛ فجهز جيشًا كبيرًا، وحشده على حدود خراسان في منطقة الري، وولى عليه قائدين من أتباعه المخلصين وهما طاهر بن الحسين وهرثمة بن أعين الذي يرجع إليه الفضل في إعداد جيش المأمون إعدادًا قويًا، أما الأمين فقد اختار علي بن عيسى بن ماهان أحد كبار رجال الدولة، الذي كان واليًا على خراسان في عهد الرشيد، تقدم بن ماهان نحو الري لقتال طاهر بن الحسين دون أن يستعد له استعدادًا كافيًا، وذلك لأنه كان يستهين بشأن طاهر لحداثته، وانتهت المعركة بانتصار جيش طاهر بن الحسين ومقتل علي بن عيسى بن ماهان سنة 195 هـ، أرسل الأمين جيوشًا أخرى عديدة إلى الري، ولكن مصيرها كان الهزيمة وقد استنفذت هذه الجيوش موارد الأمين فلم يستطع تحريك جيوشًا أخرى وهنا تتحول الحرب من مداخل خراسان إلى مداخل العراق.[8] حصار بغدادتقدم الجيش الخراساني نحو بغداد، حيث اتفق طاهر بن الحسين وهرثمة بن أعين على أن يقوم الأول بمهاجمة بغداد من الغرب بينما يهاجمها الثاني من ناحية الشرق، وتقدم الجيشان حتى بلغا أرباض بغداد حيث حدثت معارك مختلفة بين قوات الأمين وقوات المأمون، ولم يكن جيش الأمين قويًا، كما لم يكن قواده في حالة معنوية عالية، فقد استمالت قوات المأمون بعض قادة جيش الأمين بالهدايا والهبات؛ فانضموا إليه واحدًا بعد الآخر.[9] غير أن الذين قاوموا هذا الحصار هم أهل بغداد، وبالأخص «جماعة العيارين» أو الفتيان، وهي مجموعة من مختلف الطوائف والمذاهب الإسلامية المختلفة ومن الأغنياء والفقراء، لكن كان أغلبهم من أبناء الأسر الفقيرة. ولقد دافع العيارون عن بغداد ببسالة نادرة، وضربوا أمثلة رائعة في الصمود والشجاعة، وعلى الرغم من مقاومة هذه المجموعة، فقد استطاعت جيوش المأمون أن تضرب حصارًا على حول بغداد، فاشتد الجوع بالأهالي، لدرجة أن الأمين صرف كل ما لديه من أموال على جنوده، واضطر إلى طلب الأمان والتسليم.[10] وفضل الأمين أن يسلم نفسه للقائد هرثمة لكبر سنه من جهة، ولقسوة طاهر بن الحسين من جهة أخرى وخرج الأمين وأتباعه عابرين نهر دجلة في سفينة صغيرة لم تلبث بفعل الزحام، أو بفعل طاهر أن انقلبت واستطاع الأمين أن يسبح إلى الشاطئ، وهناك أسره الجنود الخراسانيون وقتلوه بأمر من طاهر، وذلك في 25 محرم من سنة 198 هـ،[11] وبذلك تنتهي خلافة الأمين، وتولى المأمون الخلافة.[12][13] وصلات داخلية
في السينما والتلفاز
المراجع
|